الحمد لله.
أولا :
ما ذكرت من حال هذه الأخت المسلمة أمر محزن حقا ، وقد سبق في جوابنا الأول أنها الآن مسلمة وإن تأخر إشهار إسلامها ، وأن زواجها من نصراني لا يعتبر زواجا ، بل هو زنى وسفاح ، عافاها الله وسلّمها من ذلك .
وما الذي يجبرها على أن تتزوج نصرانيا ، وهي باقية على إسلامها ؟ وكيف ستستقيم الحياة بينهما ؟ وماذا لو علم أنها مسلمة ؟ ولماذاَ تخدعه وتغشه ؟ وتخدع نفسها بأنها ستكون مسلمة تحت زوج نصراني ؟ وما مصير أولادها ؟ وكيف تتحمل وزرهم وإثمهم ، لأنه سينشؤون على النصرانية وتكون ديانتهم الرسمية ، وقد يتخلصون منها وقد لا يتخلصون ، وأي إثم أعظم من هذا الإثم ، أن تتسبب في إيجاد ذرية تدين بغير الإسلام ؟ وما يدريها لعلها تعيش بسبب ذلك أتعس حياة وأشقاها ، حين ترى أولادها كافرين بالله ، وهي ترجو إسلامهم ، وقد كانت سبب شقائهم . ألا ترى أنها تعيد نفس الخطأ الذي وقع فيه والدها ؟ أما تأملت ذلك ؟ إنها نفس المأساة التي عاشتها هي ، وقد كان يمكن أن تستمر على النصرانية لولا أن وفقها الله .
ثم إنها ستجمع إلى ذلك ذنبا عظيما يلازمها في حياتها ، وهو الزنى ، وما أقبحه من ذنب ، وأشنعه من جريمة ، فكيف ترضى لنفسها بشيء من ذلك ؟ وهل جحيم بيت أبيها أهون عندها من جحيم النار ؟ وهل يقارن بهذا بهذا ؟
لقد ارتكبت صديقتك جملة من الأخطاء الظاهرة :
أولها : أنها أخرت إشهار إسلامها .
وثانيها : أنها قبلت الخطبة من نصراني ، وتمادت في ذلك ، وربما حصل لها نوع من التردد في الإسلام ولذلك ذهبت إلى الكنيسة لعلها تجد الراحة فيها . ولو كان التردد الحاصل قبل أن تدخل في الإسلام فعلا : لكان مفهوما ، وله وجه . وأما أن تتردد بعدما شرح الله صدرها للإسلام ، والتزمت شعائره ، فهذا أمر خطير على إيمانها بالله ، نسأل الله السلامة .
وثالثها : أنها أخبرت الخاطب بسر أبيها ، و ليس من ضرورة تدعو إلى ذلك ، وقد يكون في إخبارها مضرة على والدها ، دون مصلحة تعود عليها إذ يمكنها رفض الخاطب وطلب فسخ الخطوبة بغير ذلك .
ثانيا :
إننا نتوجه بالنصيحة لأختنا أن تثبت على الإسلام ، وأن تحمد الله وتشكره على نعمة الهداية ، وليس من شكر النعمة أن ترتكب الفجور وأن تمكن من نفسها رجلا لا يحل لها ، وأن تأتي بأولاد يكونون على غير الإسلام .
ونحن نعلم أن الإنسان لا يتحول عن دينه الذي نشأ عليه بسهولة ، وهذا يعني أنها لم تتحول إلى الإسلام إلا عن حب واقتناع ، فلماذا هذا الضعف الآن ؟ ولم سمحت لخطوات الشيطان أن تتمكن من نفسها ؟
إن الشيطان له خطوات ، كما قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21
إننا نثق أنها لن تؤثر الخاطب والزواج على دينها ، ولو
دعاها الشيطان إلى ذلك مباشرة لن تقبل ، ولكنه جاءها من باب الاستدراج والمكر ،
فظنت أنها تستطيع الجمع بين الإسلام والزواج ، لتفارق بيت أبيها ، وتسلم من قسوة
المعاملة ، وربما جاءها الشيطان من باب آخر بعد ذلك ، وهو محبة هذا الخاطب والتعلق
به ، وهكذا يستعمل الشيطان حيله ودسائسه ليوقع العبد في شراكه .
فلعلها أن تنبه الآن إلى أن هذا الجمع غير ممكن ، ولا سبيل إليه إلا بضياع دينها ،
ففيه :
ارتكاب الزني ، وظلم الذرية ، وظلم الزوج نفسه ، هذا إن تزوجت معتقدة أن الزواج
محرم وزنى ، وأما إن فعلته مستحلة له : فإنها بذلك تكون مرتدة عن دينها . وأي خسارة
أعظم من هذه الخسارة ؟
نعم إن هذا السؤال أحزننا وأهمنا كما أحزنك وأهمك ، ولكن ما زال الأمل قائما ، وباب
النجاة مفتوحا ، ولا تحتاج أختنا إلا إلى شيء من العزيمة والصدق ، فإن كانت مقتنعة
بالإسلام فلتضح من أجله بكل شيء ، ولتصبر على ما يصيبها في سبيله ، ولتبادر بإشهار
إسلامها ، وفسخ خطبتها .
وننصحها أن تستعين بمن تثق به من أهل العلم والدين ، ليقوى إيمانها ، ويثبت يقينها
، كما ننصحها بالإكثار من قراءة القرآن الكريم ، والمواظبة على الأذكار الشرعية ،
فإن أهل الباطل يستخدمون السحر والجن لصرف الناس عن الهداية وإبقائهم في الغواية .
ونوصيك أختنا السائلة بالوقوف إلى جانبها ، وإعانتها على إشهار إسلامها ، وتثبيتها
على طريق الهداية .
نسأل الله تعالى أن يأخذ بيدها ، وأن يصرف عنها كيد شياطين الإنس والجن ، وأن يجعل
لها فرجا ومخرجا .
والله أعلم .
تعليق