الحمد لله.
أولا :
الشريعة مبنية على التيسير ورفع الحرج ، كما قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/78 ، وقال تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185 .
ومن قواعد الفقه المعتبرة : أن المشقة تجلب التيسير ، وأنه كلما ضاق الأمر اتسع .
ومن الأمثلة التي أدخلها العلماء تحت هذه القاعدة : العفو عن طين الشارع مع احتمال تنجسه ، بل العفو عن اليسير الذي تيقنت نجاسته ؛ لعموم البلوى ، وعسر التحرز منه ، لأن الطرق يكثر فيها وجود النجاسات .
قال السيوطي رحمه الله في "الأشباه والنظائر" ص 76 : " القاعدة الثالثة المشقة : تجلب التيسير ، الأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بالحنيفية السمحة ) أخرجه أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله , ومن حديث أبي أمامة " .
إلى أن قال : " واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة ... السادس : العسر وعموم البلوى . كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها , كدم القروح والدمامل والبراغيث , والقيح والصديد , وقليل دم الأجنبي ، وطين الشارع " انتهى .
وقال الزركشي رحمه الله : " إذا ضاق الأمر اتسع ... ومن فروع هذه القاعدة : لو عم ثوبه دم البراغيث عفي عنه عند الأكثرين ، وطين الشارع المتيقن نجاسته يعفى عما يتعذر الاحتراز منه غالبا " انتهى من "المنثور في القواعد" (1/ 120).
وقد نص الشافعية والحنابلة على العفو عن يسير طين النجاسة المتيقنة .
قال في "مطالب أولي النهى" (1/ 237) : " ( و ) يعفى أيضا عن ( يسير طين شارع تحققت نجاسته ) لعسر التحرز منه , ومثله تراب , قال في " الفروع " : وإن هبت ريح فأصاب شيئا رطبا غبار نجس من طريق أو غيره فهو داخل في المسألة " انتهى .
وفي "الموسوعة الفقهية" (30/ 171) : " يرى الشافعية والحنابلة : العفو عن يسير طين الشارع النجس لعسر تجنبه , قال الزركشي تعليقا على مذهب الشافعية في الموضوع : وقضية إطلاقهم العفو عنه ، ولو اختلط بنجاسة كلب أو نحوه ، وهو المتجه لا سيما في موضع يكثر فيه الكلاب ; لأن الشوارع معدن النجاسات . ومذهب الحنفية قريب من مذهب الشافعية والحنابلة إذ قالوا : إن طين الشوارع الذي فيه نجاسة عفو ، إلا إذا علم عين النجاسة , والاحتياط في الصلاة غسله . ويقول المالكية : الأحوال أربعة : الأولى والثانية : كون الطين أكثر من النجاسة أو مساويا لها تحقيقا أو ظنا : ولا إشكال في العفو فيهما , والثالثة : غلبة النجاسة على الطين تحقيقا أو ظنا , وهو معفو عنه على ظاهر المدونة , ويجب غسله على ما مشى عليه الدردير تبعا لابن أبي زيد ، والرابعة : أن تكون عينها قائمة ، وهي لا عفو فيها اتفاقا " انتهى .
وعلى هذا : فلو تيقنتِ النجاسة ، ولم تمري بعدها في طريق طاهر قبل ركوبك الحافلة أو بعد نزولك منها ، فإنه يعفى عن ذلك إذا كان يسيرا .
وينبغي أن تتجنبي النجاسة ما أمكنك ، ولو برفع الثياب قليلا مع ستر قدميك بالشراب والسروال ، وما أصابك بعد ذلك فهو عفو إن شاء الله .
ثانيا :
إذا اتصل ثوب طاهر بثوب نجس أو بأرض نجسة ، وكان أحدهما رطبا ، انتقلت النجاسة إلى الطاهر منهما ، عند الشافعية والحنابلة . ولا يشترط أن يكون بحيث لو عصر لسال منه شيء ، وإنما يكفي البلل والرطوبة .
قال في "المهذب" : " وأما ما تنجس بذلك فهو الأعيان الطاهرة إذا لاقاها شيء من هذه النجاسات ، وأحدهما رطب والآخر يابس فينجس بملاقاتها " انتهى من المهذب مع المجموع (2/ 589).
وأما مذهب الأحناف : فكما نقل في السؤال .
وينظر : الموسوعة الفقهية (40/ 34) ، وينظر أيضا في مذهب المالكية : "الشرح الكبير" للدردير (1/80) .
والله أعلم .
تعليق