الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

العفو عن نجاسة طين الشارع رفعا للحرج

173495

تاريخ النشر : 01-11-2011

المشاهدات : 45511

السؤال


أشكر لكم موقعكم الممتاز والذي أفادني كثيرا في التخلص من كثير من مسائل الوسواس القهري الذي أعاني منه . لدي سؤال واحد : وهو أنني أضطر إلى الصلاة بملابس الخروج (العباءة) ؛ لأن وقت صلاة الظهر والعصر يحضر وأنا في أوقات الدوام ، المشكلة أن أغلب الشوارع من المنزل إلى المكتب تكون فيها مياه مجاري ، والمشكلة أن هذه المياه النجسة تكون في أماكن الوقوف للباصات والتاكسيات ، مما يعني أنني لا أمشي على المكان الطاهر بعد النجس لتطهير ذيل ملابسي ، وإنما أضطر إلى الصعود على الباص والمجاري تجري من تحتي ، وقد قرأت النص التالي (جاء في الفتاوى الهندية من كتب الحنفية: إذَا لَفَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ في الثَّوْبِ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسُ رَطْبٌ فَظَهَرَتْ نَدَاوَتُهُ في الثَّوْبِ الطَّاهِرِ لَكِنْ لم يَصِرْ رَطْبًا بِحَيْثُ لو عُصِرَ يَسِيلُ منه شَيْءٌ وَلَا يَتَقَاطَرُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ نَجِسًا وَكَذَا لو بَسَطَ الثَّوْبَ الطَّاهِرَ على الثَّوْبِ النَّجِسِ، أو على أَرْضٍ نَجِسَةٍ مُبْتَلَّةٍ وَأَثَّرَتْ تِلْكَ النَّجَاسَةُ في الثَّوْبِ لَكِنْ لم يَصِرْ رَطْبًا بِحَالِ لو عُصِرَ يَسِيلُ منه شَيْءٌ وَلَكِنْ يُعْرَفُ مَوْضِعُ النَّدْوَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ نَجِسًا. انتهى.) فهل يمكنني أن أعتمد على هذه المقولة بأن ثوبي قد مر على أَرْضٍ نَجِسَةٍ مُبْتَلَّةٍ ولكن هذه النجاسة لا تنعصر وبالتالي لا يصير نجسا وأصلي فيه بدون التوتر الدائم الذي يلازمني ؟ .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الشريعة مبنية على التيسير ورفع الحرج ، كما قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/78 ، وقال تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185 .
ومن قواعد الفقه المعتبرة : أن المشقة تجلب التيسير ، وأنه كلما ضاق الأمر اتسع .
ومن الأمثلة التي أدخلها العلماء تحت هذه القاعدة : العفو عن طين الشارع مع احتمال تنجسه ، بل العفو عن اليسير الذي تيقنت نجاسته ؛ لعموم البلوى ، وعسر التحرز منه ، لأن الطرق يكثر فيها وجود النجاسات .
قال السيوطي رحمه الله في "الأشباه والنظائر" ص 76 : " القاعدة الثالثة المشقة : تجلب التيسير ، الأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بالحنيفية السمحة ) أخرجه أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله , ومن حديث أبي أمامة " .
إلى أن قال : " واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة ... السادس : العسر وعموم البلوى . كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها , كدم القروح والدمامل والبراغيث , والقيح والصديد , وقليل دم الأجنبي ، وطين الشارع " انتهى .
وقال الزركشي رحمه الله : " إذا ضاق الأمر اتسع ... ومن فروع هذه القاعدة : لو عم ثوبه دم البراغيث عفي عنه عند الأكثرين ، وطين الشارع المتيقن نجاسته يعفى عما يتعذر الاحتراز منه غالبا " انتهى من "المنثور في القواعد" (1/ 120).
وقد نص الشافعية والحنابلة على العفو عن يسير طين النجاسة المتيقنة .
قال في "مطالب أولي النهى" (1/ 237) : " ( و ) يعفى أيضا عن ( يسير طين شارع تحققت نجاسته ) لعسر التحرز منه , ومثله تراب , قال في " الفروع " : وإن هبت ريح فأصاب شيئا رطبا غبار نجس من طريق أو غيره فهو داخل في المسألة " انتهى .
وفي "الموسوعة الفقهية" (30/ 171) : " يرى الشافعية والحنابلة : العفو عن يسير طين الشارع النجس لعسر تجنبه , قال الزركشي تعليقا على مذهب الشافعية في الموضوع : وقضية إطلاقهم العفو عنه ، ولو اختلط بنجاسة كلب أو نحوه ، وهو المتجه لا سيما في موضع يكثر فيه الكلاب ; لأن الشوارع معدن النجاسات . ومذهب الحنفية قريب من مذهب الشافعية والحنابلة إذ قالوا : إن طين الشوارع الذي فيه نجاسة عفو ، إلا إذا علم عين النجاسة , والاحتياط في الصلاة غسله . ويقول المالكية : الأحوال أربعة : الأولى والثانية : كون الطين أكثر من النجاسة أو مساويا لها تحقيقا أو ظنا : ولا إشكال في العفو فيهما , والثالثة : غلبة النجاسة على الطين تحقيقا أو ظنا , وهو معفو عنه على ظاهر المدونة , ويجب غسله على ما مشى عليه الدردير تبعا لابن أبي زيد ، والرابعة : أن تكون عينها قائمة ، وهي لا عفو فيها اتفاقا " انتهى .
وعلى هذا : فلو تيقنتِ النجاسة ، ولم تمري بعدها في طريق طاهر قبل ركوبك الحافلة أو بعد نزولك منها ، فإنه يعفى عن ذلك إذا كان يسيرا .
وينبغي أن تتجنبي النجاسة ما أمكنك ، ولو برفع الثياب قليلا مع ستر قدميك بالشراب والسروال ، وما أصابك بعد ذلك فهو عفو إن شاء الله .
ثانيا :
إذا اتصل ثوب طاهر بثوب نجس أو بأرض نجسة ، وكان أحدهما رطبا ، انتقلت النجاسة إلى الطاهر منهما ، عند الشافعية والحنابلة . ولا يشترط أن يكون بحيث لو عصر لسال منه شيء ، وإنما يكفي البلل والرطوبة .
قال في "المهذب" : " وأما ما تنجس بذلك فهو الأعيان الطاهرة إذا لاقاها شيء من هذه النجاسات ، وأحدهما رطب والآخر يابس فينجس بملاقاتها " انتهى من المهذب مع المجموع (2/ 589).
وأما مذهب الأحناف : فكما نقل في السؤال .
وينظر : الموسوعة الفقهية (40/ 34) ، وينظر أيضا في مذهب المالكية : "الشرح الكبير" للدردير (1/80) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب