الحمد لله.
أولاً :
حسن العشرة بين الزوجين تقتضى أن يراعي كل منهما مشاعر الآخر ، وأن يحرص على ما يُسعده ويَسرُّه ، كما أنها تقتضي مراعاة ظروفه وعلاقته بذوي الحقوق عليه ، بحيث يعينه على أدائها ، كحق الوالدين وحق الأرحام وحق الجيران وغير ذلك . وأساس ذلك كله التفاهم والمودة والرحمة .
ثانياً :
الأخت السائلة عليها أن تتأنى في تقدير الأمور ، فقد يكون ما يفعله زوجها من مجالسة أخواته في بعض الأحيان مقبولا ، نظرا لقلة ملاقاته لهن أو احتياجهن إليه في مشورة أو مشكلة ونحو ذلك . وإن كان الأمر غير مبرر وكان سببه الحقيقي هو سوء تقدير الزوج وإهماله لحق زوجته ، فعليها أن تحسن معالجة الموقف بما يخفف من الإشكال لا بما يزيده ويضخمه ، والمرأة أعرف الناس بما يؤثر على زوجها وما يحبه وما يكرهه ، وبصفة عامة فإننا نذكر الأخت السائلة بأن الإحسان إلى الزوج وحسن عشرته والتغاضي عن إساءته ، بل ومقابلتها بالحسنى والجميل ، مما يقرب القلوب ، ويبدل الوحشة أنسا ومودة ، وقد قال ربنا العليم الخبير سبحانه : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت/34 - 35 .
قال السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (ص 749 ) : " ثم أمر بإحسان خاص له موقع كبير ، وهو الإحسان إلى من أساء إليك ، فقال : ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي : فإذا أساء إليك مسيء من الخلق ، خصوصًا من له حق كبير عليك ، كالأقارب والأصحاب ونحوهم ، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه ، فإن قطعك فَصلْهُ ، وإن ظلمك فاعف عنه ، وإن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا فلا تقابله ، بل اعف عنه وعامله بالقول اللين ، وإن هجرك وترك خطابك فَطيِّبْ له الكلام وابذل له السلام ، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان حصل فائدة عظيمة ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) أي : كأنه قريب شفيق . ( وَمَا يُلَقَّاهَا ) أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة ( إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا ) نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان ، فإذا صبر الإنسان نفسه وامتثل أمر ربه وعرف جزيل الثواب ، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيده شيئًا ، ولا يزيد العداوة إلا شدة ، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره ، بل من تواضع لله رفعه ، هان عليه الأمر ، وفعل ذلك متلذذًا مستحليًا له ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) لكونها من خصال خواص الخلق ، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة ، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق " انتهى.
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَابْتَدَأْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَخْبِرْنِي بِفَوَاضِلِ الْأَعْمَالِ . فَقَالَ : " يَا عُقْبَةُ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ ، وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ " رواه أحمد (16883) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2536).
وهذه القاعدة الأخلاقية في التعامل تفيد الأخت السائلة في علاقتها بأم زوجها وغيرها في دائرة الأقارب والمعارف.
ثالثا:
تدخل الأقارب أو غيرهم في حياة الزوجين بما يعكرها أو يفسدها أمر مرفوض شرعا وعرفا، وينبغي معالجة هذه القضية بحكمة وأناة؛ تقليلا للمفسدة، وجلبا للمصلحة. وأساس ذلك هو حصول التفاهم والتواؤم والتعاون بين الزوجين في معالجة ذلك، وقد يحتاج الأمر في بعض الأحيان إلى صبر ومصابرة ، وتسامح وتغاضي ، طالما أن الأمر بعيد عن حدود الحلال والحرام ، كما في المثال الذي ذكرته السائلة من طلب أم زوجها إعطاءها قيمة أضحية لكي تذبحها نيابةً عنها ، فقد يكون من المناسب إجابتها لمثل ذلك إن كان هناك سعة مالية ، مع الإشارة بطريقة مناسبة إلى أنها تحب أن تباشر ذلك هي بنفسها في الأعوام القادمة .
وقد سبق لنا بيان حدود تدخل أقارب الزوج في حياة زوجته، وأسباب ذلك، وطريقة علاجه، في جواب الأسئلة التالي أرقامها: (6388)، (96665)، (128947).
والله أعلم .
تعليق