الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

وجوب قضاء ما فات من النفقة والقسم بين الزوجات

174445

تاريخ النشر : 21-11-2011

المشاهدات : 15348

السؤال


أنا الزوجة الثانية وبعد مرور شهر من زواجنا بدأ زوجي بالتلكؤ في المبيت عندي ، وفي إعطائي مصروفي ، وعذره أنه يستحي من القدوم لبيت أهلي ، مع العلم أنه كان موافقا بالبداية على الحضور لبيت أهلي إلى أن يفتح لي بيت ، لكن لم يفتح بيت ، ولم يعد يأتي ، ولأني موظفة فلم يهتم بمصروفي قائلا إن راتبه لا يكفي ، مع العلم أن راتبه يكفي بيتين وزيادة. وقد حاولت مساعدته كثيرا ، واستأجرت منزلا ووفرت فرشا بسيطا حسب إمكانياتي ، إلا انه كان يأتي ليلة ويغيب بالأيام دون عذر ، رغم أني أسكن بجوار بيته الأول ، ووالله كان لا يسأل حتى وإن علم بمرضي ، كما أن زوجته الأولى إن جاء عندي تقوم بإرسال الأولاد إلينا وتحملت على مضض ، ولم أخطيء بحقها ، ولم أرد على أي من أساءتها. والآن لي منه بنت ، وعدت لبيت أهلي بعد اتفاق على أن يرتب أموره ويتكفل بالبيت والمصروف ، وقد مرت سنتان ولم يكلف نفسه عناء زيارتنا أو حتى رؤية ابنته أو مصروفها، وكلما تكلمت معه تهرب مني ورفض تطليقي وتهرب من حقوقي وتمنع علي. وأنا لا أفكر بالطلاق كحل من أجل ابنتي ؛ فهل إن عدت إليه عليه أن يعوضني عن مصروف الفترة الماضية ، وكذا الأيام التي تركني فيها ، مع العلم أنني استأذنته قبل العودة لبيت أهلي؟ أفيدوني بارك الله فيكم .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
يلزم الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف ؛ لقوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/ 34 .
وقوله : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7 .

وعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) رواه أبو داود ( 2142 ) وابن ماجه ( 1850 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

قال ابن رشد رحمه الله : " واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج : النفقة ، والكسوة ؛ لقوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية ؛ ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام : (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ؛ ولقوله لهند : (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فأما النفقة : فاتفقوا على وجوبها " انتهى من "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" ( 2 / 44 ) .

وإذا ترك الزوج الإنفاق على زوجته مدة ، كان ذلك دينا في ذمته ، فلا تسقط النفقة بالتقادم .

قال ابن قدامة رحمه الله : " ومن ترك الإنفاق الواجب لامرأته مدةً , لم يسقط بذلك , وكانت دَيْناً في ذمته , سواء تركها لعذر أو غير عذر , في أظهر الروايتين [يعني عن الإمام أحمد] ، وهذا قول الحسن ومالك , والشافعي , وإسحاق , وابن المنذر ".
واستدل رحمه الله بأن "عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد , في رجال غابوا عن نسائهم , يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا , فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ، ولأنها حق يجب مع اليسار والإعسار , فلم يسقط بمضي الزمان , كأجرة العقار والديون ، قال ابن المنذر : هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع , ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها ، ولأنها عوض واجب فأشبهت الأجرة " انتهى من "المغني" (8/ 165) .

وعليه فلك أن تطالبي زوجك بالنفقة الماضية ، لأنها دين في ذمته .

ثانيا :
يلزم الرجل أن يعدل في القسم بين زوجاته .
قال ابن قدامة رحمه الله : " لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا , وقد قال الله تعالى : وعاشروهن بالمعروف ، وليس مع الميل معروف ، وقال الله تعالى : (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)النساء/ 129 ، وروى أبو هريرة , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له امرأتان , فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) ، وعن عائشة , قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل , ثم يقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك , فلا تلمني فيما لا أملك ) رواهما أبو داود " انتهى من "المغني" (7/ 229) .

فإن ترك الزوج القسم ، وفوّت حق الزوجة ، ولم تكن ناشزا ، لزمه أن يقضي لها أيامها ، على الراجح ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة .

قال في "أسنى المطالب" (3/ 234) : " فمن تحته ثلاث فطاف على امرأتين ) منهن ( عشرين ليلة ) إما عشرا عند هذه ثم عشرا عند هذه ، وإما ليلة ليلة إلى تمام العشر ( فليقض المظلومة عشرا متوالية ) " انتهى .

وقال في "كشاف القناع" (3/ 54) : " ومتى ترك قسم بعض نسائه لعذر أو غيره قضاه لها " انتهى .

وفي "الموسوعة الفقهية" (33/ 201) : " اتفق الفقهاء على أن العدل في القسم بين الزوجات واجب على الزوج , فإن جار الزوج وفوّت على إحداهن قسمها فقد اختلفوا في قضاء ما فات من القسم :
فقال الحنفية والمالكية : لا يقضي الزوج المبيت الذي كان مستحقا لإحدى زوجاته ولم يوفه لها ; لأن القصد من المبيت دفع الضرر وتحصين المرأة وإذهاب الوحشة , وهذا يفوت بفوات زمنه , فلا يجعل لمن فاتت ليلتها ليلة عوضا عنها ، لأنه حينئذ يظلم صاحبة تلك الليلة التي جعلها عوضا ; ولأن المبيت لا يزيد على النفقة ، وهي تسقط بمضي المدة عند الحنفية .
وقال الشافعية والحنابلة : على الزوج أن يقضي ما فات من القسم للزوجة إذا لم يكن ذلك بسبب من جانبها ، كنشوزها أو إغلاقها بابها دونه ومنعها إياه من الدخول عليها في نوبتها .
وأسباب فوات القسم متعددة :
فقد يسافر الزوج بإحدى الزوجات فيفوت القسم لسائرهن . وقد سبق بيان حكم القضاء لهن تفصيلا .
وقد يتزوج الرجل أثناء دورة القسم لزوجاته ، وقبل أن يوفي نوبات القسم المستحقة لهن , فيقطع الدورة ليختص الزوجة الجديدة بقسم النكاح , مما يترتب عليه فوات نوبة من لم يأت دورها فيجب القضاء لها . وقد سبق بيان ذلك .
وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بسفرها , وفي ذلك تفصيل عند الشافعية والحنابلة : قالوا : إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أو حاجته أو لغير ذلك فلا قسم لها ; لأن القسم للأنس وقد امتنع بسبب من جهتها فسقط , وإن سافرت بإذنه لغرضه أو حاجته فإنه يقضي لها ما فاتها بحسب ما أقام عند ضرتها لأنها سافرت بإذنه ولغرضه , فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه بإرسالها , وإن سافرت بإذنه لغرضها أو حاجتها لا يقضي لها ( عند الحنابلة وفي الجديد عند الشافعية ) لأنها فوتت حقه في الاستمتاع بها ولم تكن في قبضته , وإذنه لها بالسفر رافع للإثم خاصة ...
وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بتخلف الزوج عن المبيت عندها في نوبتها ، أو بخروجه أثناء نوبتها , فإن كان الفوات للنوبة بكاملها وجب قضاؤها كاملة , وإن كان الفوات لبعض النوبة كأن خرج ليلا - فيمن عماد قسمه الليل - وطال زمن خروجه ، ولو لغير بيت الضرة . فإنه يجب القضاء وإن أكره على الخروج " انتهى .

وعليه فإنه يلزم زوجك أن يقضي لك الأيام التي لم يبت عندك فيها .
لكننا ننصحك ألا تصري على قضاء هذه الأيام ، ولا ننصحك أيضا بمطالبته بنفقة المدة التي مضت ؛ بل يكفيك من زوجك أن يحقق العدل الآن وفيما يستقبل من الأيام ، فإذا فعل ذلك فالحمد لله ، وإذا لم يفعل كان لك الحق في طلب الطلاق .
ونسأل الله أن يصلح حالكما ، ويهديكما سبيل الرشاد .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب