الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

كيف تتصرف مع زوجها الذي يشك فيها ؟

174828

تاريخ النشر : 24-11-2011

المشاهدات : 233893

السؤال


أنا متزوجة منذ أكثر من عشرين عاماً ، ومؤخراً بدأ زوجي يشك فيَّ بطريقة جنونية وبدون سبب ، فأصبح يتنصت على مكالماتي ، ويتفحص جوالي ورسائلي ، ويتبعني من مكان لآخر ، ويصرخ في وجهي دون أي سبب ، بل بلغ به الحد أن يضع مسجلاً صوتيّاً في سيارتي لتسجيل ما أقول ، فلا أدري إن كان هذا أمراً طبيعيّاً أم إنه أصيب بمكروه ؟! لقد نصحته بالذهاب إلى الطبيب ولكنه رفض ، فما نصيحتكم ؟ .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
إذا بلغ الشك بين الزوجين إلى الحال التي تصفينها ، فإن ذلك من أعظم أسباب انحراف الحياة الزوجية عن سبيل السكن والمودة والرحمة ، إلى جحيم الظنون والهواجس والمتاعب ، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى هدم البيت من أصله .
ولهذا نقول : لا يحل للزوج أن يشك في تصرفات وأفعال وأخلاق زوجته بما يسيء لها في شرفها وعرضها من غير أدلة يقينية أو أمارات ظاهرة ، والواجب عليه أن يتقي الله تعالى وأن يحكم بالعدل وأن يحذر من مخالفة الشرع في وجوب اجتناب ظن السوء ولو قلَّ ، وهذا الظن السيء قد يقوده إلى أفعال محرمة كالتجسس والقذف ، وكل تلك المنهيات ثابتة في الشرع بأوضح عبارة وأوجزها وأبلغها ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم وَلا تَجَسَّسُوا ) الحجرات/ 12، وقال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور/ 23 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - : " نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين ؛ فـ ( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) وذلك كالظن الخالي من الحقيقة ، والقرينة ، وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الأقوال ، والأفعال المحرمة ، فإن بقاء ظن السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك ، بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي ، ويفعل ما لا ينبغي ، وفي ذلك أيضاً : إساءة الظن بالمسلم ، وبغضه ، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه .
( وَلا تَجَسَّسُوا ) أي : لا تفتشوا عن عورات المسلمين ، ولا تتبعوها ، واتركوا المسلم على حاله ، واستعملوا التغافل عن أحواله التي إذا فتشت : ظهر منها ما لا ينبغي " انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 801 ) .

فالواجب على الزوج أن يقطع شكَّه ووسوسة الشيطان له تجاه زوجته بدفعه والتخلص منه بما يعلمه من صلاحها وعفتها ومحافظتها على شعائر دينها ، ويمكنه أن يواجهها بسبب ما يقع في قلبه من شك وريبة ، فلعلَّه أن يزول بكلمة أو توضيح لموقف منها ، وما أكثر ما يكون الظلم للآخرين بخطأ التحليل وسوء التقدير مع الجهل بأحكام الشرع الحنيف ، ولنتأمل ما حصل من صحابي جليل عرَّض بامرأته بأمارة ضعيفة ، ولنتأمل كيف أنه راجع في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستسلم للوساوس والشكوك ، وأخيراً كيف كانت تلك المشاورة والمراجعة مفيدة في نقاء قلبه وصلاح أسرته بأن زال ما في قلبه من الشك ، وهي حادثة عظيمة ينبغي أن تكون درساً بليغاً لأصحاب الشكوك والوساوس .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ : ( هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ ( مَا أَلْوَانُهَا ) قَالَ : حُمْرٌ ، قَالَ ( هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ ( فَأَنَّى ذَلِكَ ) قَالَ : لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ ( فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ ) .
رواه البخاري ( 4999 ) ومسلم ( 1500 ) .
الأوْرق : السواد غير الحالك .
لقد شك هذا الرجل في امرأته ؛ لأنه رأى ابنه منها أسود اللون ، على غير لون أبيه ؛ فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن عوامل الوراثة لا تقتصر فقط على ملامح الأبوين القريبين ؛ بل ربما امتدت فأخذت من الأصل البعيد ، وخالفت الوالد القريب .
قال أبو العباس القسطلاني – رحمه الله - : " وفائدة الحديث : المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة ، بل لا بد من تحقق ، كأن رآها تزني ، أو ظهور دليل قويّ ، كأن لم يكن وطئها أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها أو لأكثر من أربع سنين " انتهى من " إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري " ( 8 / 173 ) .

فالوصية للزوج : أن يتقي الله تعالى ، وأن يستعيذ به من الشيطان الرجيم ، وعليه أن لا يلتفت لما يقذفه الشيطان من وساوس في قلبه ، وعليه إما أن يمسك زوجته بالمعروف أو يسرحها بإحسان ، ومن ازدادت عليه الوساوس والشكوك فليراجع طبيباً نفسيّاً موثوقاً به فهو أفضل .
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
ما الحكم فيمن يشك في براءة زوجته من خيانته ، هل يطبق عليه حكم القذف ، وإن كان قد تأكد من براءتها وندم على سوء ظنه بها : فماذا عليه أن يفعل ؟ .
فأجاب : " مجرد الشك والوسواس من غير أن يتلفظ الإنسان بشيء : هذا لا يسمى قذفًا ، ولكن على الإنسان أن يبعد عن نفسه الشكوك والوساوس ، وأن يستعيذ بالله من الشيطان ، والأصل في المسلمة العدالة ، والأصل في المسلمة الأمانة ، فمجرد الشكوك والأوهام والوساوس : هذه من الشيطان ، فعليه أن يستعيذ بالله من ذلك ، ولا يعتبر هذا قذفًا ، إنما القذف لو تلفظ ورماها بالزنى صريحاً ، فهذا هو القذف ، أما مجرد الشكوك والوساوس : فهذه عليه أن يتركها وأن يرفضها وأن يستعيذ بالله منها " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 2 / 730 ).
وفي شك الزوج بزوجته يُنظر جوابا السؤالين (145815 ) و ( 149085 ) .

ثانياً:
أما أنتِ - أختنا السائلة – فاعلمي أن شك الأزواج بزوجاتهم له أسبابه الكثيرة وليس الأمر محصوراً فيما تفعله الزوجة أو تقوله مما يجعله يشك فيها ، ومن تلك الأسباب :
أ. أحلام يراها في منامه أن زوجته تزني ! .
ب. وجود علاقات محرَّمة له قبل الزواج مما يجعله يشك بعموم النساء .
ج. كثرة قراءته وسماعه لقصص الخيانات الزوجية .
د. إصابته بأمراض نفسية ومن أعظمها الوسواس القهري .
هـ. تدخل شياطين الإنس في حياته بكلام السوء لإفساد حياته الزوجية
والذي ننصحك به هنا أمور :
1. الصبر على أذى الزوج.
2. أن تلاطفيه في الإنكار عليه وأن لا تقابلي الشك بالشدة والعنف .
3. الدعاء له بأن يهديه ربُّه تعالى ويصلح حاله وقلبه .
4. بُعدكِ عن مواضع الاتهام ، كالحديث بالجوال بعيداً عنه بما يُدخل الشك في قلبه ، وهو – أي الجوال – أكثر وسيلة لإفساد الناس ، فلك أن تمنعيه من التنصت على المكالمات لكن لا تبتعدي عنه حين تكلمين إحدى صديقاتك - مثلاً - ، ولا تطلعيه على الرسائل الخاصة وفي الوقت نفسه لا تغلقي الجوال بالكلية عليه فيشعر أن هناك ما تخفيه عليه منها ، ولو تخلصتِ من الجوال بالكلية فهو أفضل ؛ ليطمئن قلبه ولتثبتي له أنكِ تريدين الخير له ولأسرتك .
5. رفع التهمة عنكِ إذا حصل ما يمكن أن يُفهم منه ريبة ، فتخبرينه – مثلاً - باسم المرأة التي زارتك وابنة من تكون ؛ حتى لا يقع في قلبه ما يجعل الريبة تدخل فيه ، ورفع التهمة عن النفس ليس مما يُعاب به المرء ، وكيف يكون ذلك كذلك وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ؟! .
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ) فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا - أَوْ قَالَ شَيْئًا - ) .
رواه البخاري ( 3107 ) ومسلم ( 2175 ) .
قال النووي - رحمه الله - : " وفيه : استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان ، وطلب السلامة ، والاعتذار بالأعذار الصحيحة ، وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق ، وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء " انتهى من " شرح مسلم " ( 14 / 156 ، 157 ) .
6. توسيط العقلاء من أهلك أو أهله أو منهما جميعاً لإيقافه عن شكوكه ونصحه ووعظه وإعلامه بعواقب ما يفعل دنيا وأخرى .
7. وفي حال استمرار زوجك على شكوكه ووساوسه وعدم قدرتك على الصبر على أذيته لكِ ؛ فإن ذلك مما يبيح لك فراقه ؛ فمن أعظم البأس والشدة التي تحياها المرأة مع زوجها : ما تصفينه من الشك فيك .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب