الحمد لله.
معاونة المسلمين والقيام بمصالحهم من جنس المندوبات والمستحبات التي حثت عليها الشريعة الغراء فقد روى الإمام مسلم في صحيحه (2699 ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) .
وروى الشيخان واللفظ لمسلم (84) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاللهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ .
والأخرق: هو الذي لا يحسن القيام بالعمل , جاء في منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3 / 388): [ومعنى تصنع لأخرق أي ترشده وتوجهه أو تعمل له العمل الذي لا يقدر عليه] انتهى.
ولا شك أن هذا الاستحباب
يتأكد في حق الأرحام وذوي القربى ، لأن الإحسان إلى الأرحام أفضل من الإحسان إلى
غيرهم ، وقد أكد القرآن على حقهم بصفة خاصة قال تعالى " (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ ) [الروم: 38] قال ابن كثير في تفسيره (6 / 318): فَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ "أَيْ: مِنَ الْبَرِّ وَالصِّلَةِ" انتهى .
من هنا يعلم أن معاونتك لأختك ومساعدتها والقيام بمصالحها من أفضل الطاعات ، لأن
الأخت من الأرحام التي يجب صلتها .
أما ما تخشاه من كونها قد تستخدم الجهاز في أمور محرمة فالحكم يختلف باختلاف قوة
الظن وضعفه ؛ فإن غلب على ظنك أنها ستستخدمه في أمر محرم فلا يجوز حينئذ معاونتها
على ذلك ، لأن الله تعالى قد نهى عن التعاون على الإثم والعدوان فقال سبحانه (ولا
تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة: 2] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " كل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه
على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى . شرح
العمدة (4/386) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " كل عمل مباح تعرف أن صاحبه - أو يغلب على ظنك
- أن صاحبه يستعمله في المحرم ، فلا تفعل " انتهى . من "لقاء الباب المفتوح"
(139/21) .
أما إن كان الأمر منك مجرد توهم أو شكوك في أنها ربما تستعمله في محرم ، فلا يجوز
لك أن تمتنع عن مساعدتها فيما تحتاج فيه إلى المساعدة ، بناء على مجرد ذلك ، بل
ينبغي أن تحسن الظن بأختك ؛ لأن الأصل في المسلم السلامة ، وإذا قدر أنها استعملته
في شيء من ذلك فيما بعد ؛ فليس عليك فيه حرج ؛ فإنما تبني على ما يظهر أمامك ؛ ثم
من ذا الذي ما ساء قط ؟!
هذا ، مع أن أفلام الكارتون من الأمور الاجتهادية التي لم تتفق كلمة العلماء على تحريمها لذاتها ؛ بل اختلفوا في حكمها فبعضهم ذهب إلى التحريم مطلقا ، وبعضهم ذهب إلى الجواز بشروط وضوابط ، وقد سبق أن بينا هذا الخلاف ، وشروط من قال بالجواز في الفتوى رقم: (97444) , والفتوى رقم: (71170) .
وإذا كانت المسألة فيها خلاف
معتبر ، فلا يجوز لمن أخذ بأحد القولين أن ينكر على من أخذ بالقول الآخر.
والله أعلم.
تعليق