الحمد لله.
لا حرج في شراء النحاس بغيره بالآجل ، أو مبادلة كيلو منه بكيلوين من غير تأجيل ؛ لأن النحاس ليس من الربويات كما ذكرت ، لكن لا يجوز قرض النحاس مع اشتراط الزيادة ، كما لا يجوز مبادلته بجنسه متفاضلا مع التأجيل ؛ لأن ذلك في معنى القرض كما سيأتي .
فلا يجوز أن تقترض كيلو من النحاس على أن ترده كيلوين ؛ لأن القرض يرد بمثله ، واشتراط الزيادة فيه ربا ، سواء كان الشيء المقترض من الربويات أو لم يكن .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف .
قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/ 436).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الربا : " وهو متفق على تحريمه في النقدين ، وفي الصنف الربوي كالأعيان الستة ، لا يبيع حنطة بأكثر منها إلى أجل ، ولا شعيرا ولا تمرا ولا زبيبا ولا ملحا . وهو أيضا متفق عليه بين المسلمين في القرض من سائر الأجناس .
فإذا أقرض ما يكال وما يوزن وشرط أكثر منه لا يجوز ذلك باتفاقهم .
ولو أقرضه ما يوزن كالقطن والكتان والحديد وغيره ، وشرط أكثر ، لم يجز باتفاقهم .
وكذلك لو أقرضه ما يكال ولا يؤكل ، كالسدر والخطمي والأشنان ، وغير ذلك ، وشرط أكثر منه لم يجز باتفاقهم " انتهى من "تفسير آيات أشكلت" (2/ 667).
فتبين بهذا أنه لا يجوز أن يقترض الإنسان شيئا ، حديدا أو نحاسا أو غيره ، على أن يرده بزيادة ، وهذا محل اتفاق الفقهاء .
وأما الصرف أو المبادلة : فإن كانت حالة غير مؤجلة ، فتجوز الزيادة في مبادلة الأجناس غير الربوية ، والنحاس ليس ربويا على الراجح ، فتجوز مبادلة كيلو منه بكيلوين ، على سبيل الصرف ، لا القرض .
وأما مع التأجيل : فمبادلة الجنس الواحد متفاضلا مؤجلا ، محل خلاف بين الفقهاء :
فمنهم من يقول إنه محرم ، وهو مذهب مالك وأحمد في رواية ؛ لأنه في معنى القرض بالزيادة ، وقد سبق أنه محرم اتفاقا .
ومنهم من يقول : إنه جائز ؛ لأنها مصارفة في جنس غير ربوي ، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي .
والراجح أنه محرم ، وأن هذا الصرف المؤجل في الجنس الواحد مع الزيادة ، هو في حكم القرض مع الزيادة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله بعد كلامه السابق في حكاية الاتفاق على تحريم الزيادة في القرض : " وهذا من أقوى الحجج على أن الجنس الواحد إذا اجتمع فيه نوعا الربا التفاضل والنساء ، لم يجز ذلك ، وإن كان لا يجري فيه ربا الفضل ، فإنهم متفقون على هذا في القرض ، لو أقرضه ما يوزن لم تجز الزيادة . وإن قيل : ليس فيه ربا الفضل ، فيجب أن يكون إذا قال : بعتك هذا الرطل برطلين من جنسه إلى شهر ، وهذا الكيل بكيلين إلى شهر : لم يجز ، وهذا مذهب مالك وأحمد في رواية ؛ لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يجعل ذلك قرضا بزيادة ؛ إذ الاعتبار بالمقاصد لا بالألفاظ .
ولو قال : أقرضتك هذا الرطل على أن ترد رطلين ، لم يجز ، سواء أجّل القرض أو أطلقه وكان حالا ، فيجب إذا قال : بعتك هذا الرطل برطلين إلى أجل أن لا يجوز ؛ لأن هذا هو معنى القرض بزيادة " انتهى .
فالحاصل :
أن قرض النحاس أو غيره ، من الأصناف الربوية وغير الربوية ، لا يجوز مع شرط الزيادة ، اتفاقا .
وأن بيع النحاس بالنحاس ، أو مبادلته ومصارفته ، - مع القول بأن النحاس غير ربوي وهو الراجح - لا يجوز أن يكون مؤجلا مع الزيادة ، على الراجح ؛ لأنه في معنى القرض مع الزيادة.
والله أعلم .
تعليق