الحمد لله.
أولا :
إرسال النبي صلى الله عليه وسلم كتبه ورسله إلى الملوك والأمراء والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام ، ويأمرهم بالدخول فيه ونبذ ما هم عليه من الشرك ، متواتر لا شك فيه ، وهو من تمام دعوته التي أمره الله تعالى بها .
روى مسلم (1774) عَنْ أَنَسٍ : ( أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
أما قول القائل إنه لم يجبه منهم أحد إلا المقوقس ، فقول غير صحيح ، والذي يذكره أهل العلم في هذا الباب خلافه ، فإن منهم من صدق بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعظم كتابه ، حتى لقد كاد أن يسلم ، غير أنه لم يفعل ، ومنهم من لم يستجب على الفور إلا أن الله أكرمه بعد ذلك فأسلم ، وينظر فصلا مهما في تفصيل ذلك للإمام ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/116- 120) .
وقد بعث سليط بن عمرو إلى
ثمامة بن أثال الحنفي ، فأسلم ثمامة بعد ذلك .
وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعبد الله ابني الجلندي الأزديين بعمان فأسلما وصدقا .
وكان جيفر وأخوه ملكين على عمان بعد أبيهما الجلندي ، انظر الإصابة (1/542) .
وبعث العلاء بن الحضرمي إلى
المنذر بن ساوى ملك البحرين فأسلم وصدق ، كما أسلم معه أسد أباد .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أسد أباد أحد ملوك البحرين ، ذكر البلاذري أنه أسلم مع المنذر بن ساوى " .
انتهى من "الإصابة" (1 /195) .
وبعث جرير بن عبد الله
البجلي إلى ذي الكلاع الحميري وذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام فأسلما .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ذو عمرو الحميري كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ملكا ، وأرسل إليه النبي
صلى الله عليه و سلم جرير بن عبد الله برجلين من أهل اليمن " انتهى من "الإصابة" (2
/427) .
وبعث إلى فروة بن عمرو
الجذامي ملك معان فأسلم .
قال ابن إسحاق : " وبعث فروة بن عمرو بن الناقدة البناني الجذامي إلى النبي صلى
الله عليه وسلم رسولا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء ، وكان فروة عاملا للروم على من
يليهم من العرب وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام ، فبلغ الروم إسلامه فطلبوه
فحبسوه ثم قتلوه "
انتهى من "الإصابة" (5 /386) .
فهذا يدل على أن جماعة من
هؤلاء الملوك الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام قد
أسلموا .
ثانيا :
أمر مارية القبطية مع النبي صلى الله عليه وسلم أشهر من أن يذكر ، وقد أهداها
المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما ورد في السؤال ، غير أن الكلام المذكور
هنا عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن العسل الذي أهدي إليه ، ودعاؤه للقرية
المذكورة ؛ فهذا أمر لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
رواه ابن معين في "تاريخه" (4/478) من طريق ليث عن ابن شهاب قال : ( بارك النبي صلى
الله عليه و سلم في عسل بنها ) .
وقد ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في "الضعيفة" (1258) من هذا الطريق وقال : منكر
.
وذكره الحافظ في "الإصابة" (6/376) من طريق هانئ بن المتوكل حدثنا ابن لهيعة حدثني
يزيد بن أبي حبيب ، فذكره في قصة ، ولفظه ( وأعجبه العسل فدعا في عسل بنها بالبركة
) .
وهذا إسناد مرسل ضعيف ، ابن
لهيعة كان قد احترقت كتبه واختلط ، انظر "تهذيب التهذيب" (5 /329) .
وهانئ بن المتوكل قال ابن حبان : كان تدخل عليه المناكير ، وكثرت ، فلا يجوز
الاحتجاج به بحال "
"ميزان الاعتدال" (4 /291)
ويزيد بن أبي حبيب من صغار التابعين .
فالحديث في الدعاء لبنها ،
أو فضل عسلها : لا يصح .
والله تعالى أعلم .
تعليق