السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

خصام المرأة لزوجها لأنه يسبها

177931

تاريخ النشر : 20-07-2012

المشاهدات : 379683

السؤال


ما حكم الدين في خصام الزوجة للزوج ؟ ؛ لأنه سبها بشتائم غير لائقة وهو متعنت ولم يقم بمصالحتها .

الجواب

الحمد لله.



أولاً : الأصل في المعاشرة بين الزوجين أن تكون بالمعروف والبر ؛ لقول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19 ، وقوله سبحانه ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228 .
ومن ثم فلا ينبغي للزوج أن يهين زوجته ويشتمها بألفاظ غير لائقة ، فإن هذا ليس من المعروف بل من سوء العشرة ، وإن كره الزوج من زوجه خلقًا فعليه أن يتخذ التدابير الشرعية في إصلاح الزوجة وتأديبها .
ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة السؤال رقم (22216) ورقم (125374) .

ثانيًا : الهجر عقوبة مشروعة للزجر والتأديب ، لكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم أن يكون الهجر فوق ثلاث ليالٍ إن كان الهجر لحظ النفس .
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ) .
أخرجه البخاري (6077) ومسلم (2560) .
لكن ينبغي على المسلم مراعاة المصلحة الشرعية في تطبيق عقوبة الهجر؛ لأن المقصود منها هو زجر المهجور وتأديبه ، فإن كانت المصلحة في هجره راجحة بحيث يؤدي إلى تقليل الشر وزيادة الخير كان مشروعاً ، أما إن كان المهجور لا يرتدع بذلك بل يزيد الشر ، أو كان الهاجر ضعيفًا لا يؤثر هجره بل ربما ترتب على الهجر مفسدة راجحة على مصلحته لم يكن الهجر مشروعًا حينئذ ، فالتألف لبعض الناس قد يكون أنفع من الهجر ، والهجر لبعض الناس قد يكون أنفع من التألف .
ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة السؤال رقم (21878) ورقم (89601) .

ثالثًا : الأولى للزوجة ألا تهجر زوجها وألا تخاصمه ؛ لأن الهجر لا يؤتي ثماره غالباً إلا إن صدر من شخص له سلطة وولاية على المهجور ، مثل الحاكم مع أحد رعيته ، أو الوالد مع ولده ، أو الزوج مع زوجته ، والمرأة عادة ضعيفة مع زوجها وقد لا يؤثر هجرها له في زجره ، بل قد يؤدي ذلك إلى وقوع محاذير شرعية كتقصيرها في أداء حقوقه وعدم طاعته فيما لا يجوز عصيانه فيه ، وقد يؤدي إلى مزيد من الشقاق ، وتفاقم المشكلات بينهما .

لكن إن رأت الزوجة أن الهجر مصلحته أرجح ، وأنه سيفضي إلى المقصود منه ، وأنه لن يترتب عليه محاذير شرعية فلا بأس أن تهجره حينئذ .
فإن كانت الأخت السائلة ترى أن خصامها لزوجها سيوقف سبه لها ، وسيكون مؤثرًا في امتناعه عن التلفظ بما لا يليق في حقها ، وأنه لن يترتب عليه مفاسد أشد ، ولن يفضي إلى محاذير شرعية ، أو مزيد من الشقاق ، فيجوز لها أن تهجره وتخاصمه ، ولها أن تزيد في الهجر عن ثلاث ليالٍ ، إن كان الهجر لحق الله تعالى ، وزجرًا له عن الاعتداء على غيره وعن معصية التلفظ بالفاحش من القول ، طالما حقق الهجر المقصود منه .

رابعًا : ما يقصد بالهجر هنا هو ترك الزوجة الكلام مع زوجها وإعراضها عنه ، وعدم الرد عليه إن كلمها ، أو عدم تناول الطعام والشراب معه ، وعدم مشاركته في الأمور الحياتية المعتادة ، لكن لا ينبغي أن يتعدى ذلك إلى منعه من حقوقه الزوجية كالهجر في الفراش ، إلا إن ظلمها الزوج وهضم حقوقها ؛ لأن امتناع المرأة من فراش زوجها من كبائر الذنوب التي جاء فيها الوعيد الشديد .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) .
أخرجه البخاري (3237) ، ومسلم (1436) .
وفي لفظ لمسلم : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا ) .

لكن هذا في حق الزوج القائم بحق زوجته الذي يتقي الله عز وجل فيها ، أما إن كان الزوج ظالمًا لزوجته معتديًا عليها ، غير قائم بحقوقها ، فلها أن تقتص منه وتمنعه بعض حقوقه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " شرح رياض الصالحين " (5/164) تعليقًا على الحديث السابق :
" وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته ، ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة ، أما إذا نشز ولم يقم بحقها ، فلها الحق أن تقتص منه ، وألا تعطيه حقه كاملاً ؛ لقول الله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة/194، ولقوله تعالى ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) النحل/126 ، لكن إذا كان الزوج مستقيمًا قائمًا بحقها فنشزت هي ، وضيعت حقه ، فهذا جزاؤها ، إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي .
والحاصل أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة ، لكنها مقيدة بكونه قائمًا بحقها ، أما إذا لم يقم بحقها فلها أن تقتص منه ، وأن تمنعه من حقه مثل ما منعها من حقها " انتهى.

خامسًا : الأولى لكلا الزوجين الصبر على أذى زوجه ، والابتعاد عن الانتصار الشخصي والغضب للنفس ، بل يجعل غضبه لله سبحانه ، وأن يحرص على استمرار الحياة الزوجية ، والحفاظ على بيت مسلم قائم على شرع الله وذكره ، فإن وجد من زوجه الأذى ، فالذي ينبغي له : الصبر ورد الإساءة بالإحسان ، والسعى في الإصلاح باللطف واللين والنصح بالمعروف .
قال الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت/34.
كما ينبغي النظر في أسباب المشكلات واتخاذ التدابير الشرعية اللازمة لعلاجها ، والتذكر دومًا أن الحياة الزوجية قائمة على المحبة والود ، والمعاملة بالمعروف والإحسان ، وأن سفينة الزواج لا تسير إلا بالتضحية والإيثار ، وأن يتنازل كل طرف للآخر ، ومثوبة ذلك عند الله عظيمة ، وما عند الله خير وأبقى .
ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة السؤال رقم (2076) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب