الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

أهل قريتهم من المذهب الحنفي يؤخرون صلاة العيد فهل يصلوا وحدهم ؟!

السؤال


أعيش في إحدى قرى الهند والتي يمثل سكانها حوالي خمسة آلاف شخص ، كلهم مسلمون ، حنفيو المذهب ، عدا خمسين منهم ممن ينتهجون نهج السلف ، أنا واحد من هؤلاء الخمسين ، إن أهل القرية من الرجال والذين يقدّر عددهم بحوالي ألفي شخص يؤخّرون أداء صلاة عيدي الفطر والأضحى إلى الحادية عشرة صباحاً ، وطريقة صلاتهم أيضاً مختلفة ، لذا قررنا نحن الخمسين شخصاً اعتزالهم والصلاة بمفردنا واجتناب الاختلاط معهم ، فما رأيكم ؟ هل هذا القرار صائب ؟ أم الأفضل مخالطتهم والصلاة معهم رغم كل ذلك الخلاف ؟ . أرجو الإجابة ، مع ذكر أقوال العلماء .

الجواب

الحمد لله.


نسأل الله تعالى أن يجمع كلمتكم على الحق والخير ، وأن يؤلِّف بين قلوبكم على طاعته ، ونحن يسعدنا أن نرى المسلمين جميعاً ينتهجون منهج السلف في العقائد والأحكام والسلوك ، ونرى أن كل خير هو في اتباع مَن سلف .
ويجب أن تعلموا أن منهج السلف ليس مع الفُرقة بين المسلمين ، بل إن اجتماع الكلمة وتآلف قلوب المسلمين من أعظم مقاصد الشريعة ، قال تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران/ 103 ، ويتعين ذلك التآلف والاجتماع إذا كان التفرق بسبب فروع فقهية عملية يسع فيها الخلاف ، فمنهج السلف متسع في هذا الباب جدّاً في أعظم من مسألتكم تلك ، فهم يجيزون الصلاة خلف الإمام الذي يخالف المأموم فيما ينقض الوضوء ! كنقض الوضوء من أكل لحم الإبل ، وفي تخلف بعض أركان الصلاة ! كقول الحنفية في عدم ركنية قراءة الفاتحة ، ويجيزون صلاة من يرى البسملة ليست آية من الفاتحة خلف من يراها كذلك ، وهكذا في مسائل لا يتسع المقام هنا لذكرها ويكفينا التمثيل لها .
وانظر أقوال العلماء في هذا في أجوبة الأسئلة ( 59925 ) و ( 12585 ) و ( 66613 ) .

وهذا كله على فرض وجود مخالفة بين ما ترونه في وقت صلاة العيد وبين مخالفيكم من الإخوة الحنفية ، فكيف والحال أنه لا خلاف بينكم في مسألتكم تلك ؟! فالوقت الذي يصلِّي فيه أولئك الإخوة هو وقت صلاة العيدين بالإجماع ! فالمذاهب كلها قد اتفقت على أن نهاية وقت صلاة العيدين هو زوال الشمس ، يعني : قرب وقت صلاة الظهر . وإن كانوا قد اختلفوا في وقت بدايتها ، فذهب الجمهور من المالكية والحنفية والحنابلة إلى أن ابتداء وقتها هو من ارتفاع الشمس قدر رمح ، بينما ذهب الشافعية إلى أن ابتداء صلاتها هو من أول طلوع الشمس .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 27 / 243 ) : " ذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والحنابلة - إلى أن وقت صلاة العيدين يبتدئ عند ارتفاع الشمس قدر رمح بحسب رؤية العين المجردة - وهو الوقت الذي تحل فيه النافلة - ويمتد وقتها إلى ابتداء الزوال ، وقال الشافعية : إن وقتها ما بين طلوع الشمس وزوالها ، ودليلهم على أن وقتها يبدأ بطلوع الشمس : أنها صلاة ذات سبب فلا تراعى فيها الأوقات التي لا تجوز فيها الصلاة " انتهى .
وعلى ذلك فما يفعله أولئك الإخوة لا خلاف في جوازه ، وأنه موافق للشرع في أداء صلاة العيد في وقتها ، لكنهم يُنصحون في صلاة الأضحى بتقديمها حتى يكون متسَّع من الوقت بعدها لذبح الأضاحي ، ولا بأس أن يكون التأخير في صلاة عيد الفطر ليتمكَّن المسلمون من توزيع صدقة الفطر على مستحقيها ؛ إذ خير أوقات إخراج صدقة الفطر ما بين فجر يوم العيد وصلاته .
قال ابن قدامة – رحمه الله - : " ويسنُّ تقديم الأضحى ليتسع وقت التضحية ، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر ، وهذا مذهب الشافعي ، ولا أعلم فيه خلافاً ، ... ولأن لكل عيدٍ وظيفةٌ ، فوظيفة الفطر إخراج الفطرة ووقتها قبل الصلاة ، ووظيفة الأضحى التضحية ووقتها بعد الصلاة ، وفي تأخير الفطر وتقديم الأضحى توسيع لوظيفة كل منهما " .
انتهى من " المغني " ( 2 / 232 ) .
فالوصية لكم أن تجتمعوا مع أهل قريتكم على إمام واحدٍ في صلاة العيدين وفي الجمعة والجماعة ، وإياكم أن تكونوا سبب فرقة بين المسلمين ، فمنهج السلف أجلّ وأعظم من أن يكون أهله سبب افتراق المسلمين ، وهذا لا يمنعكم من بيان السنَّة للناس في عباداتهم ، لكن يجب عليكم التفريق بين ما يسع فيه الخلاف وما لا يسع ، وشعائر المسلمين الظاهرة من الجمعة والجماعة ليس فيها ما يسبِّب افتراقاً بينكم وبين أحدٍ من أهل المذاهب الفقهية المتبوعة ، وما أحلناكم عليه من أجوبة فيه بيان واضح لهذا ، والله يوفقكم ويرعاكم .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب