الحمد لله.
أولاً :
ما فعله الإمام والمصلون من صلاة الوتر ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد ، ومن القنوت قبل الركوع هما من مسائل الخلاف المشهورة بين الحنفية وبين جمهور العلماء ، وصلاة الوتر بتلك الطريقة لا تخلو من كراهة ، فالوتر بثلاث ركعات له صفتان كلتاهما مشروعة وهما :
الأولى : أن يسرد الثلاث بتشهد واحد وتسليم واحد .
والثانية : أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بواحدة .
وتجد تفصيل هاتين الصورتين بأدلتهما في جواب السؤال رقم ( 46544 ) فلينظر .
وصلاة ثلاث ركعات بتشهدين وسلام ورد فيها نهي أقل أحواله الكراهة ، وقد سبق ذكر فتاوى العلماء في المنع منها في جواب السؤال رقم : ( 72246 ) و ( 26844 ) فلينظرا .
وأما القنوت قبل الركوع : فقد ورد في السنَّة الصحيحة ما يدل عليه ، ولمن قال بالقنوت بعد الركوع دليل أيضاً ، فليس في الأمر ما يسوِّغ الإنكار فضلاً عن المخالفة ، فضلاً عما هو أشد وهو ترك الصلاة خلف ذلك الإمام .
وقد سبق ذكر مسألة القنوت في الوتر في جواب السؤال رقم ( 14093 ) فلينظر .
ثانياً :
لا بأس أن تصلي خلفهم ، ولو كانوا على الصفة التي ذكرتها ، لأن ما يفعلونه إنما هو تقليد لإمام مجتهد فلا يسوغ ترك الصلاة خلفهم ، ولا الفرقة بينكم ، وبخاصة أنكم في ديار كفر ، وما تفعلونه يُحسب على الإسلام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وتنازعوا ( يعني : العلماء ) فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يترك قراءة البسملة والمأموم يعتقد وجوبها , أو يمس ذكره ولا يتوضأ والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك , أو يصلي في جلود الميتة المدبوغة والمأموم يرى أن الدباغ لا يطهر , أو يحتجم ولا يتوضأ والمأموم يرى الوضوء من الحجامة ، والصحيح المقطوع به : أن صلاة المأموم صحيحة خلف إمامه وإن كان إمامه مخطئاً في نفس الأمر , لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يصلون لكم , فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم ) .
وكذلك إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه سواء قنت قبل الركوع أو بعده , وإن كان لا يقنت لم يقنت معه , ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن .
مثال ذلك : الوتر ، فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال :
أحدهما : أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة ، كالمغرب ، كقول من قاله من أهل العراق .
والثاني : أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز .
والثالث : أن الأمرين جائزان , كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما ، وهو الصحيح ، وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله .
فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفاً لقلوبهم كان قد أحسن , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : ( لولا أن قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض , ولجعلت لها بابين باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه ) فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس " انتهى .
" الفتاوى الكبرى " ( 2 / 476 ) .
والله أعلم .
تعليق