الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

طبيب يشكو ويسأل : كيف أوفّق بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة ؟

179458

تاريخ النشر : 03-07-2012

المشاهدات : 20139

السؤال


أنا مسلم عادي وأحاول أن أكون مسلمًا ملتزمًا إن شاء الله ، فمنذ فترة قريبة بدأت ألتزم بتعاليم ديني ، وأحافظ على صلواتي ، وبدأت أقترب من الله عز وجل ، عسى أن يغفر لي سبحانه في الآخرة ، ولكن المشكلة هي أني كيف أوازن بين أمور الدنيا وعباداتي ؟ أنا أعمل طبيب وهناك كثير من الالتزامات تتطلب مني وقتا وجهدًا، وأحتاج لتركيز شديد في عملي ومن ثم ينعكس هذا سلبا على عباداتي ، وهذا ما يسبب لي الحزن والهم ؛ لأني لا أعطي ربي مثل ما أعطي لعملي ، أنا أقرأ في الكتب الإسلامية وأحاول أن أتعلم ، ولكن لا أستطيع الموازنة بين أعمال الدنيا والأعمال الأخروية ، فما نصيحتكم لي ؟

الجواب

الحمد لله.


نحمد الله أن وفقك للالتزام بدينك والمحافظة على فروضه وواجباته .
وننصحك أولا بأمر مهم عسى أن يضفي على حياتك البهجة والسعادة ، وهو أنه يمكنك أن تجعل من مهنتك وعملك سبيلا قويما إلى ربك ، وذلك بالنية الصالحة ، وبما يمكنك فعله مع المرضى من العناية بهم ونصحهم وإرشادهم ومساعدتهم ، تنوي بذلك وجه الله .
فالعمل المباح ينقلب طاعة وقربى بالنية الصالحة وإحسان الظن بالله .
روى مسلم (1006) عَنْ أَبِي ذَرٍّ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا ) .
قال النووي رحمه الله :
" ( وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة ) يُطْلَق عَلَى الْجِمَاع , وَيُطْلَق عَلَى الْفَرْج نَفْسه , وَكِلَاهُمَا تَصِحّ إِرَادَته هُنَا , وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات , فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ , أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ , أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام , أَوْ الْفِكْر فِيهِ , أَوْ الْهَمّ بِهِ , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة " انتهى .
ويقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله :
" إن العبد إذا أحسن النية وقصد قصدا في عمل المباح فإنه يتحول بالنية إلى قربة وطاعة وعمل صالح " انتهى من "فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي" (ص 290) .

ثانيا :
عليك بترتيب وقتك بمقتضى ترتيب أولوياتك ، وأن تعطي كل ذي حق حقه دون أن يؤدي ذلك إلى عدوان على حق آخر .
والتركيز في العمل والإقبال عليه بجد وإخلاص أمر مطلوب ، ولكن لا ينبغي الانشغال بمزيد من الأعمال التي تتطلب منا المزيد من الجهد والوقت والتركيز مما قد يؤثر سلبا على أمور أخرى لا تقل أهمية عن تلك ، وخاصة إذا تعلقت بأمور الشرع .
وهاهنا تكون الأزمة التي تتحدث عنها ، ولا يمكن التخلص منها إلا بالموازنة العادلة .

فاجتهد ، قدر طاقتك ، في أن تخصص وقتا محددا للعمل في مهنتك ، ولا تجعل هذا الأمر بالذات مفتوحا غير مقيد بوقت محدود ، بل حاول أن تقيده بمتوسط من الساعات ، تراه ملائما لطبيعة عملك وظروفك .
ثم اجعل في خلاله وقتا أو أوقاتا تنظر فيها في المصحف ، ولو وقتا يسيرا ، أو تطالع فيه كتابا من الكتب العلمية الشرعية أو تراجع فيها درسا ، وبإمكانك أن تحيي أوقات الانتظار ، والفترات البينية بين الأعمال والمهمات ، بشغلها بما سبق من قراءة وردك القرآني ، أو نحو ذلك من الطاعات .
وبإمكانك أن تحمل كثيرا من الدروس العلمية والدعوية ، والتلاوات القرآنية ، على حاسوبك الشخصي ، لتنتفع بسماع ذلك في أوقات فراغك ، أو انتظارك ، أو عملك الروتيني الذي لا يتطلب منك تركيزا ذهنيا .
واجتهد في أن تفتح على نفسك أبواب الطاعات ، بحسب ما تطيقها ، فلا تفوت أسبوعا ، أو شهرا من غير أن تصوم فيه ، ولو أن تظفر من الشهر بصيام ثلاثة أيام ، قبل أن يفوتك .
واجتهد في أن يكون لك ورد من صلاة النوافل تواظب عليه ، بحسب طاقتك وهمتك مع ربك ، وحبذا أن تظفر من نفسك بركعتين قبل الفجر.

واعلم أنك لن تستطيع الموازنة بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة إلا بمراعاة هذا الحديث والعمل بمقتضاه ، وهو ما رواه البخاري (1968) أن سَلْمَان قال لأبي الدرداء رضي الله عنهما وهو يعظه : ( إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ) فَأَتَى أبو الدرداء النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ سَلْمَانُ ) .
ثم قبل ذلك كله ، وبعد ذلك كله : فليس أعظم للعبد وأنفع له من الافتقار إلى ربه ، والاستعانة به ، واللجوء إليه : أن يصلح له شأنه كله ، وأن يعينه على أمره ، وأن يمده بمدد من عنده سبحانه .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (69747) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب