الحمد لله.
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه صلاح أسرتكم واجتماعها ، ونسأله تعالى أن يهدي أختك لما يحب ويرضى وأن يجنبها الفتن والمنكر والإثم .
وما تذكريه في رسالتك يؤكِّد ما نذكره دوماً في إجابتنا من خطر الاختلاط والعلاقات بين الجنسين مراسلة ومحادثة ، وليس ثمة فرق في هذا بين عامي أو ملتزم ؛ ففتنة الشهوة لا تفرق بينهم إذا ظهر نارها واشتعل عودها .
ثانياً:
بما أن الحديث لن يكون مع أختك بل معك ومع والدك الفاضل : فإننا نرجو أن نوفق فيما
ننصحكم به ونوجهكم نحو العمل بمقتضاه :
1. لا تحمِّلوا أنفسكم مسئولية ما حدث مع أختك ، فأنتم لم تقصروا في تربيتها ، وقد
وافقتم على خروجها من مدرسة الاختلاط ، وقد حرصتم على إعفافها بتزويجها لرجل من أهل
الصلاح وكان ذلك ، فلم يحصل منكم ما تلومون به أنفسكم ، اللهم إلا أن يكون التساهل
مع أختك في استعمالها للإنترنت .
2. لا يحل للولي أن يُكره موليته على الزواج بمن تكره ، وأنتم لن تفعلوا هذا – إن
شاء الله – مع أختك ، سواء كان الإكراه على الرجوع لزوجها الأول أو غيره .
3. لا يكون الأب عاضلاً لابنته إذا كان يمنع تزوجها من شخص غير مرضي الدين والخلُق
، وإنما يكون عاضلاً إذا رفض كل من تقدَّم لابنته وهو مرضي الدين والخلق .
4. وأما بخصوص التصرف الشرعي مع أختكم فنرى :
أ. عدم ذِكر ما جرى منها لأحدٍ من أقربائكم – فضلاً عن غيرهم – كائناً من كان ، فلا
أحد يوثق به من قريب أو جار أن يسرِّب خبرها فيُزاد فيه ولا يُنقص حتى تتسع الدائرة
عليكم ، فلا تقدروا على مواجهتها والذب عن أنفسكم .
ب. عدم مقاطعة والدك لها وعدم التبرؤ منها والسخط عليها ، ونرى أنها الآن أحوج ما
تكون لعقل والدها ليلجم سعار عاطفتها ، فهي الآن محجوبة عن التفكير بعقلها ، وتحتاج
من يقف معها من أهلها لمخاطبة عقلها ، وإحياء تدينها بتذكيرها بحكم ما حصل منها
وعواقب ذلك ، فهي قد ارتكبت معصية بيِّنة بإنشائها علاقة مع رجل أجنبي عنها ، وهي
آثمة بالحديث معه ومراسلته ، فيجب أن تعلم حقيقة مخالفتها للشرع ، كما أنها تحتاج
إلى من يخاطب عقلها ليبين لها أن ما تفعله قد يكون له عواقب سيئة من تفرق الأسرة ،
ومن هوانها على عشيقها ذاك عندما يصير زوجاً لها ، ومن احتمال أن يعاقبها ربها
بابنة تتصرف مثل تصرفها ، ومن انتشار خبرها بين الناس مما يسبب طعنا وتجريحا
بوالدها وأمها وأخواتها ، وهكذا في قائمة طويلة من العواقب السيئة تُخبر بها وتوقَف
عليها ؛ فلعلَّ ذلك الخطاب لتدينها وعقلها أن يثمر ثمرة يانعة .
ثم تعرفوها مع ذلك : أن هذا الشاب هو الذي أفسدها على زوجها الذي عقد عليها عقدا
شرعيا ، وسبب نفرتها منه ، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من كل من أفسد امرأة
على زوجها ، ولعنه ، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى عدم صحة زواجها من هذا المفسد .
وينظر جواب السؤال رقم (84849)
.
ج. إذا لم تقنع أختكم بما تعظونها به وتذكرونها بعواقبه ، وظلت مصرَّة على التزوج
بذاك الشاب : فنرى أن تزوجوها إياه ! علاجاً لمرضها ودائها ، واستصلاحا لشأنها ،
وستراً عليها وعلى أسرتكم أن تنالكم ألسنة السوء ، ولا يكون هذا منكم إلا بعد
التأكد من صلاحية ذاك الشاب ليكون زوجاً لأختكم من حيث دينه وخلقه ، وإلا فلا يحل
لكم القبول به زوجاً لها.
نحن على علم بصعوبة هذا الأمر عليكم ، ونحن نقدِّر ذلك ، ولكن من نظر إلى عواقب
خلاف هذا الأمر ، فإنه لن يتردد بقبوله ، ومما رأيناه وعلمناه من حوادث مشابهة رفض
فيها الأهل تزويج من تعلقت به ابنتهم : زنا ، هروب من البيت ، انتحار ، السفر خارج
بلادها ... وغير ذلك مما انتشرت حكايته وذاعت أخباره ، نسأل الله أن يعصمكم من شر
ذلك كله ، ولذا فما نقوله لكم وإن كان صعباً على النفس قبوله ، لكنَّ الأصعب قد
يكون في خلافه .
فابدؤوا إذاً بالصواب في
وعظها وإرشادها لفعل الصواب ، من قطع علاقتها بذلك الشاب حقيقة لا صورة ، وواقعاً
لا كلاماً ، فإن استجابت لكم فبها ونعمت ، وإن لم تستجب فليس أمامكم إلا الجمع
بينها وبين ذاك الشاب بالحلال ، إيقافاً لإثمها في علاقتها به الآن بالحرام ،
واتقاء لشر نخافه من عاقبة ذلك الأمر.
ونرى ، إذا حصل الخيار الثاني ، وتقدم هذا الشاب فعليا إليكم ، أن لا يكون تعجل في
الدخول ، بل لتكن ثمة فترة معقولة بعد العقد ، فقد تتضح لها من الأمور ما كان عنها
خافياً عليها من سلوك وأخلاق وتصرفات لذاك الشاب تنفرها منه ، وقد تعيد التفكير في
قرارها في التزوج منه فلا تكمل مشوارها ، وبكل حال فالخير في تأخير الدخول حتى تتضح
الأمور وتكمل قناعتها بصواب فعلها .
وهذا الذي ذكرناه لك من اجتماعهما بالحلال بالزواج قد ورد بمثله الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لَمْ نَرَ – وفي
لفظ ( يُرَ ) - لِلمُتَّحَابَّيْن مِثُلَ النِّكَاحِ ) رواه ابن ماجه ( 1847 )
وصححه البوصيري ، والألباني في " صحيح الجامع ".
قال المنَّاوي – رحمه الله - : " ( لَمْ يُرَ لِلمُتَّحَابَّيْنِ ) قال الطِّيبي :
هو من الخطاب العام ، ومفعوله الأول محذوف ؛ أي : لم تَرَ أيها السامع ما تزيد به
المحبة ( مِثْلَ النِّكَاحِ ) لفظ ابن ماجه والحاكم ( مِثْلَ التَّزوُّج ) أي : إذا
نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه ، فنكاحها يورثه مزيد المحبة ، كذا ذكره الطيبي
، وأفصح منه قول بعض الأكابر المراد : أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق :
النكاح ، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلاً "
انتهى من " فيض القدير " ( 5 / 376 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – في بيان علاج داء العشق - : " وقد اتفق رأي العقلاء
من الأطباء وغيرهم في مواضع الأدوية : أن شفاء هذا الداء : في التقاء الروحين
والتصاق البدنين " انتهى من " روضة المحبين " ( ص 212 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً - : " ولقد أبطلَ مَنْ قال : إنها إذا عيَّنت كُفْئاً
تُحبه ، وعيَّن أبوها كُفْئاً : فالعبرةُ بتعيينه ، ولو كان بغيضاً إليها قبيحَ
الخِلقة .
وأما موافقتُه لمصالح الأمة : فلا يخفى مصلحة البنت فى تزويجها بمن تختاره وترضاه
وحصولُ مقاصد النكاح لها به ، وحصولُ ضد ذلك بمن تُبغِضُه وتنفِرُ عنه ، فلو لم تأت
السنة الصريحة بهذا القول ، لكان القياسُ الصحيح وقواعدُ الشريعة لا تقتضى غيره ،
وبالله التوفيق " .
انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 5 / 97 ، 98 ) .
نسأل الله أن ييسر أمركم
ويفرج كربكم ويهديكم لما فيه رضاه .
والله أعلم
تعليق