الحمد لله.
أولا :
سب الله تعالى ، أو سب نبيه صلى الله عليه وسلم ، أو سب غيره من الأنبياء : كفر وردة عن الإسلام ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (150989) ورقم (159664) .
ومن تاب من ذلك ، تاب الله عليه ، وبدل الله سيئاته حسنات ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.
فاحمد الله تعالى أن وفقك
للتوبة والندم ، ولم يعاجلك بالعقوبة ، واحذر اليأس والقنوط والاستسلام لوسوسة
الشيطان ، فالتوبة نافعة من سائر الذنوب مهما عظمت ، وقد قاتل أناس نبينا صلى الله
عليه وسلم ، ثم تابوا وأفلحوا وقدموا أرواحهم فداءً له صلى الله عليه وسلم .
ثانيا :
اختلف العلماء في ساب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تاب ، هل يسقط عنه القتل أم لا
؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب
الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، مما هو قذف صريح ، كفر باتفاق العلماء
، فلو تاب لم يسقط عنه القتل ؛ لأن حد قذفه القتل ، وحد القذف لا يسقط بالتوبة ،
وخالفه القفال فقال : كفر بالسب فيسقط القتل بالإسلام ، وقال الصيدلاني : يزول
القتل ويجب حد القذف ، وضعفه الإمام " انتهى من "فتح الباري" (12/ 281).
وسبق نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في عدم سقوط القتل عنه ، وينظر : سؤال رقم (150989)
.
لكن ينبغي أن يُعلم أن هذا القتل - عند من قال به - هو من باب الحد ، والحد مسئولية
الإمام ، أي يجب على الإمام المسلم أن يقيم الحد على الساب ، إذا رُفع أمره إليه .
وأما الساب : فإذا ستره الله تعالى ، ولم يُرفع أمره للقضاء ، فالمشروع له أن يستر
نفسه ، ويجتهد في التوبة والاستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة ، والثناء
والتعظيم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، رجاء أن يعفو الله عنه ، ويُرضي
عنه نبيه يوم القيامة .
قال الله تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 .
وقال تعالى : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) النحل/119 .
وقد روى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا
إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا ، أن الله سيستره في الآخرة
، وقد حلف النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى تأكيدا له ، فقد روى أحمد
(23968) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : ( ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ : لَا يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ
لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ ؛ فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ
ثَلَاثَةٌ : الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا
يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ ،
وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ : لَا يَسْتُرُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا ، إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ) وصححه الألباني في " السلسة الصحيحة " برقم (1387).
وروى البخاري (18) ومسلم (1709) عن عبادة بن الصامت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: ( بَايِعُونِي عَلَى أَنْ
لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا
تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ
أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ ؛ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي
الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ
سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ
عَاقَبَهُ ) فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك .
فاحمد الله على التوبة ،
واجتهد في طاعة الله ، وابذل ما تستطيع في نصرة نبيك صلى الله عليه وسلم وإحياء
سنته ، وسل الله تعالى أن يُرضي عنك نبيه صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
تعليق