الحمد لله.
أولاً:
اتفق العلماء على حرمة دفن المسلم في مقبرة الكافر ، وحرمة دفن الكافر في مقابر المسلمين ، إلا للضرورة .
عن بَشِيرٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بَيْنَمَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : ( لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ خَيْرًا كَثِيرًا ) ثَلاَثًا ، ثُمَّ مَرَّ بِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ :( لَقَدْ أَدْرَكَ هَؤُلاَءِ خَيْرًا كَثِيرًا ) رواه أبو داود (3230 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال ابن حزم – رحمه الله - :
" عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يُدفن مسلمٌ مع مشرك
.
- واستدل بحديث بشير - ثم قال :
فصح بهذا تفريق قبور المسلمين عن قبور المشركين " انتهى من " المحلى " ( 5 / 143 )
.
وقال الإمام النووي – رحمه الله - : " اتفق أصحابنا رحمهم الله على أنه لا يُدفن مسلم في مقبرة كفار ، ولا كافر في مقبرة مسلمين " انتهى من " المجموع " ( 5 / 285 ) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 21 / 19 ) : " اتفق الفقهاء على أنه يحرم دفن مسلم في مقبرة الكفار وعكسه إلا لضرورة " انتهى .
وإذا كانت مقبرة المسلمين يحوطها سور المقبرة الأصلية للكفار : فالحكم واحد في الحرمة وإن تباعدت قليلا وفصلت بينهما طرق ! .
ولذا فيجب على المسلمين
الذين يعيشون في بلاد الكفر وليس لهم مقابر خاصة بهم :
1. السعي في شراء أرض خاصة بهم لدفن موتاهم فيها ، ولو كلفهم ذالك كثيراً ؛ لأن دفن
المسلم في مقبرة الكفار رزية ؛ فالكافر يعرض على النار غدوّاً وعشيّاً والمسلم
يتأذى بذلك ، قال تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) غافر/
46 .
وهذا العرض إنما هو على أهل القبور ، وهو عذاب برزخي ، بدليل قوله بعدها : (
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ) ، وانظر " تفسير القرطبي " ( 15 / 318 )
.
قال المناوي – رحمه الله - : " ويحرم دفن مسلم في مقبرة كفار وعكسه ، كما أشار إليه
بقوله : ( فَإِنَّ الميِّتَ يَتَأَذَّى ) يتضرر ( بِجَارِ السَّوْءِ ) بالفتح
والإضافة أي : بسبب جوار جار السوء الميت ، وتختلف مراتب الضرر باختلاف أحوال
المتضرر منه لنحو شدة تعذيب أو نتن ريح أو ظلمة " انتهى من " فيض القدير " ( 1 /
297 ) .
2. فإن لم يستطيعوا شراء أرضٍ لدفن موتاهم – كأن يكون بسبب القوانين الجائرة -
فعليهم نقل الجنائز إن أمكن إلى بلد مجاور . وينظر " منح الجليل شرح مختصر خليل " (
1 / 501 ) و " الشرح الكبير للدردير " ( 1 / 419 ) .
3. فإذا بذل المسلمون جهدهم وعجزوا عن كل ما ذكرناه آنفاً : فلا بأس - إن شاء الله
- من الدفن في مقبرة النصارى ؛ لأنه تعارض هنا مفسدتان : أن يُدفن مع النصارى أو
يترك بلا دفن ، ولا شك أننا نقدم أخف الضررين وأهون المفسدتين ، قال تعالى : ( لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/ 286 ، مع الحرص على تمييز
مقابر المسلمين بأن تكون في بقعة خاصة في المقبرة ، وما تذكرونه من كون البقعة
المقترحة لتكون مقبرة خاصة للمسلمين ستكون في زاوية من مقبرة النصارى أمر حسن
ويزداد حسناً إذا صار لها مدخل منفصل خاص بها ، ومتى أمكن فصل الجزء الخاص بكم ،
وبناء سور عليه ، فقد صارت مقبرة منفصلة مستقلة ، ولم يبق لها حكم مقابر الكفار ؛
ولا حرج فيها حينئذ ، إن شاء الله .
والله أعلم
تعليق