الحمد لله.
هذا الحديث رواه ابن ماجة في "سننه" (1976) ، وأحمد في "مسنده" (25333) ، وابن حبان في "صحيحه" (7056) ، والبيهقي في " الشعب" (11017) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (32972) ، وأبو يعلى في "مسنده" (4597) ، وابن عساكر في "تاريخه" (8/67) كلهم من طريق شَرِيك عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ عَنْ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " عَثَرَ أُسَامَةُ بِعَتَبَةِ الْبَابِ فَشُجَّ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمِيطِي عَنْهُ الْأَذَى ) ، فَتَقَذَّرْتُهُ ، فَجَعَلَ يَمُصُّ عَنْهُ الدَّمَ وَيَمُجُّهُ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ : ( لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُهُ وَكَسَوْتُهُ حَتَّى أُنَفِّقَهُ )
وهذا إسناد ضعيف ، شريك هو ابن عبد الله القاضي سيء الحفظ مخلط ، راجع "ميزان الاعتدال" (2/270) .
ولكن تابعه مجالد بن سعيد ، فرواه أبو يعلى (4458) ومن طريقه ابن عساكر (8/68) من طريق هشيم عن مجالد عن الشعبي عن عائشة قالت : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغسل وجه أسامة بن زيد يوما وهو صبي قالت : وما ولدت ولا أعرف كيف يغسل الصبيان . قالت : فآخذه فأغسله غسلا ليس بذاك ، قالت : فأخذه فجعل يغسل وجهه ويقول : ( لقد أحسن بنا إذ لم يك بجارية ، ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك ) .
ومجالد ضعيف أيضا ، انظر "الميزان" (3/438) .
ورواه ابن سعد في "الطبقات"
(4/62) أخبرنا يحيى بن عباد قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال حدثنا أبو السفر قال :
" بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس هو وعائشة وأسامة عندهم ، إذ نظر رسول
الله صلى الله عليه وسلم في وجه أسامة فضحك ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( لو أن أسامة جارية لحليتها وزينتها حتى أنفقها ) .
وهذا مرسل صحيح .
فأصل الحديث بهذه المتابعة وهذا الشاهد ثابت ، ومن ثَمّ صححه الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (1019) وفي " صحيح ابن ماجة " ، وقال محققو مسند أحمد ، ط الرسالة (42/7) : " حديث حسن بطرقه " .
لكن قصة مصّ النبي صلى الله
عليه وسلم الدم عن أسامة ومجّه غير ثابتة ؛ لتفرد شريك بها ، وهو سيء الحفظ ، فلا
يحتج به .
والدم السائل نجس باتفاق العلماء ، وإنما المعفو عنه يسير الدم . راجع جواب السؤال
رقم : (114018) ،
ورقم : (163819) .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وَحُكْمُ كُلِّ دَمٍ كَدَمِ الْحَيْضِ ، إِلَّا أَنَّ قَلِيلَ الدَّمِ
مُتَجَاوِزٌ عَنْهُ لِشَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَجَاسَةِ الدَّمِ أَنْ
يَكُونَ مَسْفُوحًا ، فَحِينَئِذٍ هُوَ رِجْسٌ ، وَالرِّجْسُ النَّجَاسَةُ ،
وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ رِجْسٌ نَجِسٌ "
انتهى من "التمهيد" (22/ 230) .
على أن هذا الحديث لو صح ، فهو محمول على حال الضرورة ، أو الحاجة ، كما هو الشأن في الحجامة ؛ حيث كان الحجام يمص الدم بفمه ، ثم يمجه .
والله أعلم .
تعليق