الحمد لله.
القائم بشعيرة الأذان إما أن يؤذن لجماعة غير حاضرين معه ، أو يؤذن لنفسه أو لجماعة حاضرين معه .
فإن كان أذانه لجماعة غير حاضرين معه : فقد اشترط بعض العلماء رفع الصوت بالأذان وأنه لا يصح بدونه ، وهو مذهب الحنابلة والصحيح عند الشافعية وهو قول لبعض الحنفية ، ومما استدل به هؤلاء الأئمة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال لعبد الرحمن بن أبي صعصعة : " فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ " قال أبو سعيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " . رواه البخاري ( 584 ) .
وقالوا : إذا كان هذا الرفع للصوت في حق المنفرد في البادية ففي حق الجماعة من باب أولى .
وذهب آخرون إلى أنه لا يشترط رفع الصوت بالأذان ، وأنَّه سنَّة فحسب ، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والوجه الثاني عند الشافعية ، واستدل هؤلاء الأئمة بقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد رضي الله عنه : ( إِنهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ ) رواه الترمذي ( 189 ) وأبو داود ( 499 ) وابن ماجه ( 706 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قالوا : والأمر في هذا وفي حديث أبي سعيد على الاستحباب .
والصواب من القولين : الأول ؛ لأن المقصود من الأذان في الأصل إعلام الناس بدخول الوقت ، ولا يحصل هذا إلا مع رفع الصوت به .
وإذا قلنا برفع الصوت فإنه لا يراد به ذاك الصوت الذي يشق السمع ويتسبب في الضرر على نفسه أو على السامعين – كما نقلتَه في أذان ذاك الشاب – بل إنه يُمنع المؤذن من المبالغة في الرفع المؤذي .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - : " ومتى رفع صوته رفعاً يَخشى على نفسه الضرر منه كره ، وقد قال عمر لأبي محذورة لما سمعه يؤذن بمكة " أما خشيتَ أن ينشق مريطاؤك ؟ " .
ذكره أبو عبيد وغيره ، وهي ما بين السرة والعانة ، قاله أبو عبيد والأكثرون ، وقيل : ما بين الصدر والعانة " انتهى من " فتح الباري " ( 3 / 438 ) – مختصراً - .
وأما إن كان المؤذن يؤذن لنفسه أو لجماعة حاضرين معه – في غرفة أو مكتب أو مصلَّى خاص - فلا يشترط له رفع الصوت إلا بقدر ما يسمع نفسه أو يسمع الحاضرين معه ؛ لأن المقصود من الأذان وهو الإعلام يحصل بذلك ، وهل يستحب له رفع الصوت بالأذان أو لا يستحب ؟! قولان للعلماء والأظهر عدم استحبابه - وهو وجه عند الشافعية – وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في رفع الصوت أنها للأذان لجماعة غير حاضرين معه .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " فالواجب أن يُسْمِعَ من يُؤَذِّنُ لهم فقط ، وما زاد على ذلك فغير واجب " انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 2 / 50 ) .
والخلاصة :
أننا ننصح الأخ المؤذن أن يأخذ برأي ناصحيه الذين يريدون الخير لدينه وله ، وأنه إذا كان يؤذِّن لمن خارج الغرفة فلا ينبغي له المبالغة برفع الصوت بالأذان حتى يصل لدرجة الإيذاء سواء لنفسه أو لغيره ، وأنه إن كان يؤذن لمن في غرفة الصلاة فيكفيه أن يُسمعهم دون من كان خارج الغرفة ، ونسأل الله أن يكتب له أجره كاملاً وأن يجزيه خير الجزاء على قيامه بهذه الشعيرة ، ومراعاة الآخرين ، والاجتهاد في دعوتهم وترغيبهم في الإسلام أمر مطلوب ، سواء احترموا الداعية أم لم يحترموه ، ولا يخفى ما في دعوة الآخرين وهدايتهم من الأجر العظيم .
والله أعلم
تعليق