الحمد لله.
تقدم في إجابة السؤال رقم (72326) أن الرجل ما دام صحيحاً ليس مريضاً مرض الموت ، فله أن يهب من ماله لزوجته أو غيرها ما يشاء .
وتقدم في إجابة السؤال رقم (67652) بيان وجوب العدل بين الأولاد وعدم المفاضلة بينهم في العطية ، وأن الأم في المنع من المفاضلة بينهم كالأب .
وأنه إذا فضل أحد الوالدين بعض الأولاد بالعطية : فإما أن يسترد العطية ، وإما أن يعطي الآخرين حتى يعدل بينهم .
وأن القسمة الشرعية في عطية الوالد لأولاده تكون حسب قسمة الميراث ، للذكر مثل حظ الأنثيين.
فعلى ما تقدم : فما وهبه
والدكم لوالدتكم في حياته برضا نفس منه ، فهو لها ، ولا يدخل في تركة الوالد
وميراثه .
ويجب على والدتكم أن تعدل بين أولادها في العطية ، فإذا أعطت ولدها الأكبر شقتين
أعطت أخاه مثله ، وأعطت كل واحدة من ابنتيها شقة واحدة ، وإلا استردت الشقتين من
الأكبر ، وأبقت على مالها وعقارها .
فخلصنا بذلك إلى أن الست شقق هي ملك خالص للوالدة يجب عليها إذا وهبت منه شيئا
لأولادها أن تعدل فيه : للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا تدخل هذه الشقق في ميراث الأب
.
وكونك امرأة متزوجة ، وأن والدك تكفل بزواجك لا يغير من الحكم شيئا ، وخاصة أنه قد
تكفل بزواج أخيك أيضا .
فإن الواجب على الأب أن يزوج من تلزمه نفقته ، من ولد أو بنت ، إذا كان قادرا على
ذلك ، ولا علاقة لذلك بالميراث ولا بالهبات والعطايا .
قال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (9/405) :
" يجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إعْفَافُ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ
الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأَبْنَاءِ وَأَبْنَائِهِمْ وَغَيْرِهِمْ , مِمَّنْ
تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قال أهل العلم إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إذا كان ماله يتسع لذلك ،
فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به .
وهنا مسألة: لو كان لرجل عدة أبناء منهم الذي بلغ سن الزواج فزوجه ، ومنهم الصغير
فهل يجوز لهذا الرجل أن يوصي بشيء من ماله يكون مهرا للأبناء الصغار لأنه أعطى
أبناءه الكبار؟
الجواب : لا يجوز للرجل إذا زوج أبناءه الكبار أن يوصي بالمهر لأبنائه الصغار ،
ولكن يجب عليه إذا بلغ أحد من أبنائه سن الزواج أن يزوجه كما زوج الأول . أما أن
يوصي له بعد الموت فإن هذا حرام " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13
/1616) .
وينظر جواب السؤال رقم : (149438)
.
وقال ابن عثيمين أيضا :
" الزواج من النفقة فمن احتاجه من الأولاد قام الوالد بحاجته فيه ، ومن لم يحتجه
فإنه لا يجوز له أن يعطيه شيئا ، وعلى هذا فإذا كان للإنسان ثلاثة أبناء وزوج اثنين
منهم في حياته ، وبقي الصغير لم يصل إلى حد الزواج ، ثم إن هذا الأب أوصى للصغير
بمقدار المهر الذي أعطاه أخويه ، فإن ذلك حرام ، والوصية باطلة ، فإذا مات فإن هذه
الوصية ترد في التركة ، إلا أن يسمح عنه بقية الورثة لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(لا وصية لوارث) " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (247 /45) .
وهذا كله فيما إذا كان
الوالد قد وهب هذا العقار للوالدة هبة حقيقية ، بحيث تملكتها في حياته ، وانتقل
التصرف فيها إلى الوالدة .
وأما إذا كان هذا مجرد كتابة على الورق ، لم تنفذ في حياة الوالد ، وإنما تصرفت
فيها الوالدة بعد موته : فهذه وصية ، وليست هبة ، ولا وصية لوارث ؛ فيرد العقار إلى
تركة الوالد ، ويقسم الجميع بين ورثته .
والله أعلم .
تعليق