الحمد لله.
أولا :
دُعاء كُميل من الأدعية المشهورة والمعروفة جداً عند الشيعة ، وهم يحرصون على قراءته في كل ليلة جمعة ، وفي ليلة النصف من شهر شعبان ، تبعاً للروايات الواردة في فضله وأثره البالغ في تربية النفس ، ولما يحتويه من المعاني الرفيعة – على حسب زعمهم - .
قال محمد باقر المجلسي بشأن هذا الدعاء : " إنّه أفضل الأدعية وهو دُعاء الخضر عليه السَّلام ، وقد علّمه أمير المؤمنين عليه السَّلام كميلاً ، وهو من خواصّ أصحابه " .
وقال القُمِّيُ : " وهو من الدَّعوات المعروفة ، ويُدعى به في ليلة النّصف مِن شعبان ، وليلة الجمعة ، ويُجْدي في كفاية شرّ الأعداء ، وفي فتح باب الرّزق ، وفي غفران الذّنوب " .
وجاء في خبر هذا الدعاء قول علي بن أبي طالب لكميل بن زياد : " اجلس يا كميل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادعُ به كل ليلة جمعة ، أو في الشهر مرة ، أو في السنة مرة ، أو في عمرك مرة ، تُكْفَ وَتُنْصَر وَتُرْزَق ، وَلَنْ تُعْدَم المغفرة .
يا كميل : أوجَبَ لك طولُ الصحبة لنا أن نَجُودَ لكَ بما سألت " .
ثم قال : " اَللّـهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ، وَبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْء ، وَخَضَعَ لَها كُلُّ شَيء ، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيء ، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء ، وَبِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلأَتْ كُلَّ شَيء ، وَبِسُلْطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيء ، وَبِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء ، وَبِأَسْمائِكَ الَّتي مَلأَتْ أرْكانَ كُلِّ شَيء ، وَبِعِلْمِكَ الَّذي أَحاطَ بِكُلِّ شَيء ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي أَضاءَ لَهُ كُلُّ شيء ، يا نُورُ يا قُدُّوسُ ، يا أَوَّلَ الأوَّلِينَ وَيا آخِرَ الآخِرينَ .
اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ ، اَللّـهُمَّ اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ ، اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ الْبَلاءَ ، اَللّهُمَّ اغْفِرْ لي كُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ ، وَكُلَّ خَطيئَة أخْطَأتُها ... " إلى آخر هذا الدعاء ، وهو دعاء طويل مسجوع فيه كثير من التكلف ، لا يظهر عليه جلال الصحبة ، وهو بعيد عن نور النبوة .
ولا يعرف لهذا الدعاء إسناد إلى عليّ رضي الله عنه عند أهل السنة ، وإنما هو معروف عند من يعتقد الكذب على الله ورسوله وأوليائه دينا يتقرب به إلى الله .
ثانيا :
على فرض أن كل ألفاظه ومعانيه حسنة ، فلا ينبغي الدعاء به والمواظبة عليه ؛ لأنه فضلا عن كونه دعاء مختلقا لا تصح نسبته إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ثم قد صار شعارا لأهل البدع من الرافضة ومن نحا نحوهم ، وقد تقدم أنهم يقدسونه ويعظمونه ويرفعون شأنه ، وما كان هذا وصفه فإنه لا يتدين به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إِذَا كَانَ فِي فِعْلٍ مُسْتَحَبٍّ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ لَمْ يَصِرْ مُسْتَحَبًّا ، وَمِنْ هُنَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَرْكِ بَعْضِ الْمُسْتَحَبَّاتِ إِذَا صَارَتْ شِعَارًا لَهُمْ – يعني الرافضة - فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا بِذَلِكَ ، لَكِنْ قَالَ : فِي إِظْهَارِ ذَلِكَ مُشَابَهَةٌ لَهُمْ ، فَلَا يَتَمَيَّزُ السُّنِّيُّ مِنَ الرَّافِضِيِّ ، وَمَصْلَحَةُ التَّمَيُّزِ عَنْهُمْ لِأَجْلِ هِجْرَانِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِم ْ، أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ هَذَا الْمُسْتَحَبِّ " .
انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 154) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
" بالغ طائفة من العلماء فنهوا عن التشبه بأهل البدع مما كان شعاراً لهم ، وإن كان في الأصل مسنوناً ، واتفقت الطائفتان على أن النهي عن التشبه بأهل البدع فيما هو شعار لهم " .
انتهى من "فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم" (6 /202) .
وينظر جواب السؤال رقم (27237) ، ورقم (6745) .
ثالثا :
قول السائل : هل يصح بعد الصلاة الإبراهيمية من التشهد الأخير أن نقتصر على هذا
الدعاء يتلوه السلام مباشرة دون دعاء يتوسطهما ؟
فإن كان مقصوده بالدعاء هذا الدعاء المعروف بدعاء كميل بن زياد ، فقد تقدم أن ذلك
غير مشروع ، بل ينهى عنه .
وإن كان مقصوده السؤال عن
حكم السلام مباشرة بعد الفراغ من الصلاة الإبراهيمية دون دعاء : فليُعلم أن الدعاء
في التشهد الأخير بعد الفراغ من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل السلام
مسنون ليس بواجب ، فيجوز للمصلي أن يسلم مباشرة دون دعاء .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (27 /98)
" يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأْخِيرِ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ ؛
لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ
فِي الصَّلاَةِ فَلْيَقُل : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ - إِلَى آخِرِهِ ، ثُمَّ
يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ ، أَوْ مَا أَحَبَّ ) .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : ( ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ
إِلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ ) . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ : ( ثُمَّ
لِيَتَخَيَّرَ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ ) " انتهى .
وقال في "أسنى المطالب" (1/166) :
" ( وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ( بِمَا شَاءَ ) مِمَّا يَتَعَلَّقُ
بِالْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا " انتهى .
فعلى ذلك : لو اقتصر المصلي على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم
سلم ولم يدع بشيء فلا حرج عليه ، إلا أنه تارك للسنة .
ويتأكد قبل السلام من الصلاة
التعوذ بالله من أربع : مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ
فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فتنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ؛ لأمر
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فيما رواه مسلم (588) عن أبي هُرَيْرَةَ قال : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ
مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ : مِنْ
عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا
وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) .
قال النووي رحمه الله : " فِيهِ : التَّصْرِيح بِاسْتِحْبَابِهِ فِي التَّشَهُّد
الْأَخِير " انتهى .
وهناك أدعية أخرى يستحب أن يقولها المصلي بعد الفراغ من التشهد الأخير ، ينظر لمعرفتها جواب السؤال رقم : (5236) .
والله تعالى أعلم .
تعليق