الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1446 - 24 ديسمبر 2024
العربية

الحِكَم من عدم السماح للكافر بالتزوج من مسلمة ومن دخول الحرم

182199

تاريخ النشر : 25-09-2012

المشاهدات : 10898

السؤال


زميلي بالعمل هندي , ناقشته في دينه ، طرح سؤالين : الأول : لماذا لا يستطيع دخول مكة ؟ والثاني : لماذا المسلم يستطيع الزواج من كتابية وليس من هندوسية مثلاً ؟ فأجبته بالنسبة للسؤال الثاني ؛ لأن المسلم يؤمن بالمسيحية واليهودية الأصلية وبنبيهما ! ولايؤمن بالهندوسية ، ولكن لم أعرف جواباً للسؤال الأول ! أفيدونا .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
مما لا شك فيه أن شريعة الله تعالى محكمة ، وأن فيها من الحكَم الجليلة في أحكامها الشيء الكثير ، وبعض هذه الحكم ظاهرة وبعضها يحتاج لتأمل ، وبالنظر إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى نجد أن الله تعالى قد اختصهم ببعض الأحكام ومنها : حل التزوج من نسائهم دون غيرهم من الكفار ؛ وذلك للفرق بين من كان دينه في أصله من تشريع رب العالمين ، ويؤمن بالله ، وبأنه له رسلا أرسلهم إلى عباده ، وكتبا أنزلها إليهم ، ويؤمن بلقاء الله ، وبالبعث الآخر .
ففرق بين من كانت هذه حاله ، وبين من كان دينه ، من أصله وأساسه ، تشريعا أرضيا من صنع البشر ، وللفرق بين التوحيد وهو أصل دين أهل الكتاب قبل أن يحرفوه ، وبين الوثنية وهي أصل كثير من الأديان الأرضية ، ولذا فقد كان من الحكَم الجليلة إباحة التزوج بالكتابيات رجاء إسلامهن ، وخاصة أن زوجها لن يؤذيها في عيسى وموسى عليهما السلام ، بل لا يصح إسلام مسلم حتى يؤمن بهذين النبيين الكريمين ، ويوقرهما ، كما يؤمن بغيرهما من أنبياء الله ويوقرهم . ولمَّا كانت القوامة للرجال ، وكانت النساء على دين أزواجهن غالباً ، وكان أهل الكتاب لا يؤمنون بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : رأينا الحكمة الجليلة في تحريم تزويج المسلمة لرجالهم ؛ لما يُخشى عليها من تغيير دينها ، أو سماعها ما يؤذيها في نبيها ، وهي عنده أسيرة مستضعفة ، لا تملك - في غالب أمرها - دفعا ، ولا تبقى بينهما راحة ولا هناءة .
قال الكاساني الحنفي – رحمه الله - : " لا يجوز للمسلم أن ينكح المشركة ; لقوله تعالى : ( وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) البقرة/ 221, ويجوز أن ينكح الكتابية ; لقوله عز وجل : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) المائدة/ 5 ، والفرق : أن الأصل أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة ; لأن ازدواج الكافرة والمخالطة معها مع قيام العداوة الدينية لا يحصل السكن والمودة الذي هو قوام مقاصد النكاح ، إلا أنه يجوز نكاح الكتابية لرجاء إسلامها ؛ لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة ، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل بناء على أنها أخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته ، فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الأمر تنبهت وتأتي بالإيمان على التفصيل على حسب ما كانت أتت به في الجملة ، وهذا هو الظاهر من حال التي بُنِيَ أمرها على الدليل دون الهوى والطبع ، والزوج يدعوها إلى الإسلام وينبهها على حقيقة الأمر ، فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها ، فيجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة ، بخلاف المشركة فإنها في اختيارها الشرك ما ثبت أمرها على الحجة ، بل على التقليد بوجود الآباء على ذلك " انتهى من " بدائع الصنائع " ( 3 / 1414 ) .
وفي " مغني المحتاج " ( 3 / 187 ) للخطيب الشربيني الشافعي – رحمه الله - : " وقد يقال باستحباب نكاحها - أي : الكتابية - إذا رُجي إسلامُها ، وقد روي أن عثمان رضي الله تعالى عنه تزوج نصرانية فأسلمت وحسن إسلامها .
وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية : ما يُرجى من ميلها إلى دين زوجها ؛ فإن الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهن على الآباء والأمهات ، ولهذا حرِّمت المسلمة على المشرك " انتهى .

ثانياً:
وكما أن في الإسلام أحكاماً يُقصد منها حماية المسلم في دينه – كمنع تزويج المسلمة للكافر – فإن في أحكاما يقصد منها إظهار عزة الإسلام وعلوّه على غيره من الشرائع السماوية المحرفة ، فضلا عن الشرائع الأرضية الباطلة ، ومن ذلك منع الكافر من دخول بيت الله الحرام ، وهي من مسائل الخلاف عند العلماء ، وقد ذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى تحريم دخول الكفار حدود الحرم ، ولو لمصلحة.
وذهب الحنفية إلى حصر المنع في موسم الحج دون غيره ، وأجازوا الدخول بصلح أو إذن لأهل الذمة خاصة دون غيرهم ، ووافق المالكيةُ الجمهورَ في المنع ، إلا أنهم أجازوا دخول الكفار لحدود الحرم – دون المسجد الحرام - إذا كان لمصلحة .
قال النووي – رحمه الله - : " يُمنع كل كافر من دخوله ، مقيماً كان أو مارّاً ؛ هذا مذهبنا ، ومذهب الجمهور " انتهى من " المجموع " ( 7 / 465 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 17 / 188 ، 189 ) : " واختلفوا في اجتياز الكافر الحرم بصفة مؤقتة ، فذهب الشافعية والحنابلة وهو قول عند المالكية : إلى منع دخول الكفار إلى الحرم مطلقا ؛ لعموم الآية ، فإن أراد كافر الدخول إلى الحرم : مُنع منه ، فإن كانت معه ميرة أو تجارة خرج إليه من يشتري منه ولم يترك هو يدخل ، وإن كان رسولا إلى إمام بالحرم خرج إليه من يسمع رسالته ويبلغها إياه ، فإن قال : لا بد لي من لقاء الإمام وكانت المصلحة في ذلك : خرج إليه الإمام ، ولم يأذن له بالدخول ... .
وقال الحنفية : لا يمنع الذمي من دخول الحرم ، ولا يتوقف جواز دخوله على إذن مسلم ولو كان المسجد الحرام " انتهى .
ومع اختلاف العلماء في دخول الكفار حدود الحرم فقد اتفقوا على تحريم سكنى الكفار وإقامتهم في الحرم المكي ، فقد جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 17 / 188 ) : " اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز لغير المسلم السكنى والإقامة في الحرم لقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) والمراد بالمسجد الحرام : الحرم ؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى بعده ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) أي : إن خفتم فقراً وضرراً بمنعهم من الحرم وانقطاع ما كان يحصل لكم بما يجلبونه إليكم من المكاسب فسوف يغنيكم الله من فضله ، ومعلوم أن الجلب إنما يجلب إلى البلد والحرم ، لا إلى المسجد نفسه " انتهى .
وكل بلاد العالَم لها شروطها تحتم تحقيقها على مَن يدخلها ، وما المانع من كون الحرم المكي من هذه الأماكن ؟! والفرق بين الأمرين أن الشروط في الأول من وضع البشر ، وأما في شأن الحرم المكي ، فالشرط المذكور فيه تشريع إلهي ؛ فأطهر بقعة على وجه الأرض ، وأعظمها حرمة عند المسلمين ، وقبلة المسلمين ، والبلد الحرام ، ومنبع هداية الناس ... من المنطقي تماما أن يختص الشارع تلك البقعة بأحكام تظهر تميزها ومكانها من القدسية والطهارة الشرعية ؛ فلا يدخله إلا طاهر من الشرك والإلحاد ، قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) التوبة/ 28 .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب