الحمد لله.
أولا :
إذا لم يترك الميت من الورثة إلا مَن ذُكر فإن لابنته النصف من تركته فرضا ، لقول الله تعالى في البنت الواحدة : ( وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) النساء/ 11 .
والباقي لأبناء العم تعصيبا بالسوية ؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1615) .
أولى رجل : أي أقرب رجل .
ثانيا :
يجوز للأب أن يهب ابنته في حياته ما شاء من ماله إذا لم يكن له من الأولاد سواها ؛
وحيث إن البنت قبضت المال قبضا صحيحا فقد جازت الهبة ، وتمت صحيحة نافذة ، فلا يجوز
منازعتها فيها من قِبل الورثة .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (39/281) :
" ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي
الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ، وَلاَ يَنْتَقِل إِلَى وَرَثَتِهِ
مِنْ بَعْدِهِ لأِنَّ الْخِيَارَ فِي الرُّجُوعِ فِيهَا حَقٌّ شَخْصِيٌّ
لِلْوَاهِبِ ، ثَبَتَ لَهُ لِمَعَانٍ وَأَوْصَافٍ ذَاتِيَّةٍ فِيهِ ، وَالْحَقُّ
الشَّخْصِيُّ لاَ يُورَثُ .
ثُمَّ إِنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا أَوْجَبَ هَذَا الْحَقَّ لِلْوَاهِبِ ،
وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ .
وَأَيْضًا هُوَ حَقٌّ مُجَرَّدٌ ، وَالْحُقُوقُ الْمُجَرَّدَةُ لاَ تُورَثُ
ابْتِدَاءً ، وَإِنَّمَا تُورَثُ تَبَعًا لِلْمَال ، وَوَرَثَةُ الْوَاهِبِ لاَ
يَرِثُونَ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ الَّتِي هِيَ مَالٌ ، فَلاَ يَرِثُونَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حَقِّ الرُّجُوعِ " انتهى .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
عَنْ امْرَأَةٍ أَعْطَاهَا زَوْجُهَا حُقُوقَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ ، وَلَهَا
مِنْهُ أَوْلَادٌ ، وَأَعْطَاهَا مَبْلَغًا غَيْرَ صَدَاقِهَا لِتَنْفَعَ بِهِ
نَفْسَهَا وَأَوْلَادَهَا . فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهَا أَحَدٌ وَأَرَادَ أَنْ
يُحَلِّفَهَا : فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِفَ لِنَفْيِ الظُّلْمِ عَنْهَا ؟
فَأَجَابَ :
" إذَا وَهَبَ لِأَوْلَادِهِ مِنْهَا مَا وَهَبَهُ ؛ وَقَبَضَ ذَلِكَ ؛ وَلَمْ
يَكُنْ فِيهِ ظُلْمٌ لِأَحَدِ : كَانَ ذَلِكَ هِبَةً صَحِيحَةً ؛ وَلَمْ يَكُنْ
لِأَحَدِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهَا . وَإِذَا كَانَ قَدْ جَعَلَ نَصِيبَ
الْأَوْلَادِ إلَيْهَا حَيًّا وَمَيِّتًا ؛ وَهِيَ أَهْلٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ
نَزْعُهُ مِنْهَا . وَإِذَا حَلَفَتْ : تَحْلِفُ أَنْ لَيْس عِنْدَهَا لِلْمَيِّتِ
شَيْءٌ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (31 /299) .
فعلى ذلك : ليس للورثة حق في
هذا المال الذي وهبه الرجل لابنته ، وهو مبلغ 64000 ريال .
ولهم الحق فيما سوى ذلك على ما تقدم .
فإن كانوا قد نازعوها في شيء منه ، أو قاسموها فيه : فقد أخذوا ما لا يحل لهم ،
ويجب عليهم رده إلى صاحبته .
وإن كان المال في يدها ، وإنما ينازعونها فيه : فمن حقها أن تمنعه منهم ، ولا
تمكنهم من شيء منه .
والله أعلم .
تعليق