الحمد لله.
أولاً :
روى البخاري (4042) ومسلم (2296) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ " .
وفي لفظ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ " رواه البخاري (1344) ومسلم (2296) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه – أيضا -.
ثانياً :
استدل بعض العلماء – ومنهم الأحناف – على مشروعية الصلاة على شهيد المعركة بصلاة
النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد .
قال العيني رحمه الله : " قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى عَلَى أَهْل أُحُد بَعْد مُدَّة , فَدَلَّ عَلَى
أَنَّ الشَّهِيد يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ حَتْف أَنْفه ,
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَأَوَّلَ الْخَبَر فِي تَرْك الصَّلَاة
عَلَيْهِمْ يَوْم أُحُد عَلَى مَعْنَى اِشْتِغَاله عَنْهُمْ وَقِلَّة فَرَاغه
لِذَلِكَ , وَكَانَ يَوْمًا صَعْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَعُذِرُوا بِتَرْكِ
الصَّلَاة عَلَيْهِمْ " انتهى من " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 12 / 492 ) .
أما جمهور العلماء الذين
يرون أن شهيد المعركة لا يُصلى عليه ، فقد أجابوا عن حديث عقبة بن عامر السابق بعدة
أجوبة :
1 . أن المقصود بصلاته صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد ، أي : أنه دعا لهم .
2 . أن هذا خاص بشهداء أحد ، بدليل أنه لم ينقل أنه صلى على غيرهم من الشهداء .
3 . أن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام .
قال ابن حجر رحمه الله : "
فَإِنَّ صَلَاته عَلَيْهِمْ تَحْتَمِل أُمُورًا أُخَر : مِنْهَا أَنْ تَكُون مِنْ
خَصَائِصه , وَمِنْهَا أَنْ تَكُون بِمَعْنَى الدُّعَاء كَمَا تَقَدَّمَ ، ثُمَّ
هِيَ وَاقِعَة عَيْن لَا عُمُوم فِيهَا , فَكَيْفَ يَنْتَهِض الِاحْتِجَاج بِهَا
لِدَفْعِ حُكْم قَدْ تَقَرَّرَ ؟ " انتهى من " فتح الباري شرح صحيح البخاري " .
وقال الحافظ عبد الرحيم بن
الحسين العراقي : " وَأَمَّا هَذِهِ الصَّلَاةُ فَفِيهَا جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الدُّعَاءُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا
صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمَعْهُودَةِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : أَيْ دَعَا لَهُمْ
بِدُعَاءِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ
عَلَيْهِمْ قَبْلَ دَفْنِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ،
وَإِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِمْ فِي الْقُبُورِ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ
وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ مُطْلَقًا ،
وَالْقَائِلُونَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ يُقَيِّدُونَهُ بِمُدَّةٍ
مَخْصُوصَةٍ لَعَلَّهَا فَائِتَةٌ هُنَا ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ
وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَهَا فِي الْأَوَّلِ " انتهى من " طرح التثريب " ( 3 / 295 )
.
فالحاصل – على رأي الجمهور - : أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد ليس المراد منها الصلاة الشرعية المعروفة بصلاة الجنازة ، بل المراد بالصلاة هنا الصلاة بالمعنى اللغوية ، وهو الدعاء ، فهو صلى الله عليه وسلم قد دعا لشهداء أحد ، وقوله في الحديث : ( كصلاته على الميت ) لبيان أن هذا الدعاء مخصوص ، فهو كالدعاء الذي يكون في الصلاة على الميت ، وعلى فرض : أنه صلى عليهم الصلاة المعروفة ، فهو محمول على الخصوصية.
والقول الأول ذهب إليه بعض
السلف ، وهو مذهب الأحناف كما سبق ، واختاره ابن القيم رحمه الله ، قال : "
وَالصَّوَاب فِي الْمَسْأَلَة : أَنَّهُ مُخَيَّر بَيْن الصَّلَاة عَلَيْهِمْ
وَتَرْكهَا لِمَجِيءِ الْآثَار بِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَهَذَا إِحْدَى
الرِّوَايَات عَنْ الْإِمَام أَحْمَد , وَهِيَ الْأَلْيَق بِأُصُولِهِ وَمَذْهَبه ،
وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ أَمْر شُهَدَاء أُحُد : أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ
عِنْد الدَّفْن ، وَقَدْ قُتِلَ مَعَهُ بِأُحُدٍ سَبْعُونَ نَفْسًا , فَلَا يَجُوز
أَنْ تَخْفَى الصَّلَاة عَلَيْهِمْ . وَحَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه فِي تَرْك
الصَّلَاة عَلَيْهِمْ صَحِيح صَرِيح , وَأَبُوهُ عَبْد اللَّه أَحَد الْقَتْلَى
يَوْمَئِذٍ , فَلَهُ مِنْ الْخِبْرَة مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ . وَقَدْ ذَهَبَ
الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب إِلَى أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ
وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ . وَهَذَا تَرُدّهُ السُّنَّة الْمَعْرُوفَة فِي تَرْك
تَغْسِيلهمْ ، فَأَصَحّ الْأَقْوَال : أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُونَ , وَيُخَيَّر فِي
الصَّلَاة عَلَيْهِمْ . وَبِهَذَا تَتَّفِق جَمِيع الْأَحَادِيث وَبِاَللَّهِ
التَّوْفِيق " انتهى من "تهذيب سنن أبي داود" (2/87) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال
رقم : (14012) .
والله أعلم
تعليق