الحمد لله.
أولا :
قول القائل : يا حكمة الله ، أو يا حكمة ربي ، فيه تفصيل :
1- فإن كان مراده التعجب من حكمة الله ، كما لو رأى شيئا بديعا من خلق الله ، فقال: يا حكمة الله ، أو يا حكمة ربي ، فهذا جائز ، فإن لله الحكمة التامة التي تبهر العقول ، وله في كل شيء آية تدل على أنه الواحد .
2- وإن كان مراده الدعاء والطلب من " حكمة الله " أي دعاء الصفة فهذا محرم ، بل كفر وشرك ؛ لأن هذا يشعر بكون الصفة بائنة عن الله تعالى ، مستقلة عنه ، تعطي وتمنع ، فكأنه جعلها مع الله إلها .
وقد نبه أهل العلم على خطر هذه المسألة ، قديما وحديثا :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إن مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث ، وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين ، فهل يقول مسلم : يا كلام الله اغفر لي ، وارحمني ، وأغثني ، أو أعني ، أو يا علم الله ، أو يا قدرة الله أو يا عزة الله أو يا عظمة الله ونحو ذلك ؟! أو سمع من مسلم أو كافر أنه دعا لذلك من صفات الله وصفات غيره ؟! أو يطلب من الصفة جلب منفعة أو دفع مضرة أو إعانة أو نصرا أو إغاثة أو غير ذلك " انتهى من "تلخيص الاستغاثة والرد على البكري" ص 181 .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حكم أن يدعو الإنسان صفة من صفات الله سبحانه وتعالى مع بيان وجه ذلك الحكم ؟
الشيخ: هل الصفة تفعل؟
السائل: لا، لا تفعل.
الشيخ: إذا دعوت من لا يفعل هل يجوز؟
السائل: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز ولهذا قال شيخ الإسلام : دعاء الصفة كفر بالاتفاق " هكذا قال في كتاب الاستغاثة ، ولأنك إذا دعوت الصفة جعلتها مستقلة ، تجلب إليك الخير وتدفع عنك الشر، وهذا يعني أنك جعلتها إلهاً مع الله " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (234/ 30).
وسئل أيضا رحمه الله : " هل عبادة الإنسان لصفة من صفات الله يعد من الشرك وكذلك دعاؤها؟
فأجاب بقوله : عبادة الإنسان لصفة من صفات الله ، أو دعاؤه لصفة من صفات الله من الشرك ، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - لأن الصفة غير الموصوف بلا شك وإن كانت هي وصفه ، وقد تكون لازمة وغير لازمة ، لكن هي بلا شك غير الموصوف فقوة الإنسان غير الإنسان وعزة الإنسان غير الإنسان ، وكلام الإنسان غير الإنسان، كذلك قدرة الله - عز وجل - ليست هي الله بل هي صفة من صفاته فلو تعبد الإنسان لصفة من صفات الله لم يكن متعبدًا لله ؛ وإنما تعبد لهذه الصفة لا لله - عز وجل - والإنسان إنما يتعبد لله - عز وجل - قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
والله عز وجل موصوف بجميع صفاته ، فإذا عبدت صفة من صفاته لم تكن عبدت الله عز وجل لأن الله موصوف بجميع الصفات .
وكذلك دعاء الصفة من الشرك مثل أن تقول : يا مغفرة الله اغفري لي يا عزة الله أعزيني ، ونحو ذلك " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/ 164).
لكن نبه الشيخ رحمه الله على أن بعض العامة يريدون بقولهم : يا رحمة الله : الطلب من الله لا من الرحمة .
سئل رحمه الله عقب السؤال السابق : " هل قول الإنسان : "يا رحمة الله " يدخل في دعاء الصفة الممنوع؟
فأجاب : إذا كان مراد الداعي بقوله : "يا رحمة الله" الاستغاثة برحمة الله - تعالى - يعني أنه لا يدعو نفس الرحمة ولكنه يدعو الله - سبحانه وتعالى - أن يعمه برحمته كان هذا جائزًا ، وهذا هو الظاهر من مراده ، فلو سألت القائل هل أنت تريد أن تدعو الرحمة نفسها أو تريد أن تدعو الله - عز وجل - ليجلب لك الرحمة؟ لقال : هذا هو مرادي.
أما إن كان مراده دعاء الرحمة نفسها فقد سبق جوابه ضمن جواب السؤال السابق " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/ 164).
لكن ينبغي تعليم هؤلاء العوام وتنبيههم ، ودلالتهم على الألفاظ الصحيحة التي لا تحتمل الباطل ، كأن يقولوا : يا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين .
ثانيا :
قد يشكل على البعض ما جاء في النصوص من الاستعاذة بكلمات الله التامات ، وبرضاه من سخطه ، ونحو ذلك ، والجواب أن هذا من الاستعاذة بالله مع التوسل إليه بهذه الصفات .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله : " قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "برحمتك أستغيث" هذا من قبيل التوسل لا من قبيل دعاء الصفة، مثل: أسألك يا الله برحمتك، وفي دعاء الاستخارة: "أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك". صحيح البخاري (1166)، ومثل الاستعاذة بالصفة، قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك". صحيح مسلم (486). وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أعوذ بكلمات الله التامات". صحيح مسلم (2708).
كل هذا من نوع التوسل إلى الله بصفاته ، وهو من التوسل المشروع ، وأما دعاء الصفة فلم يرد في الأدعية المأثورة ، ولا يمكن أن يكون مشروعاً؛ لأن دعاء الصفة كقولك: يا رحمة الله ، يا عزة الله ، يا قوة الله ، تقتضي أن الصفة شيء مستقل منفصل عن الله يسمع ويجيب ، فمن اعتقد ذلك فهو كافر، بل صفات الله قائمة به ، وليس شيء منها إله يدعى ، بل الله بصفاته إله واحد ، وهو المدعو والمرجو والمعبود وحده لا إله إلا هو ، والله أعلم " انتهى من " فتاوى الإسلام اليوم ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وأما ما جاء في الأحاديث التي ذكرها شارح الطحاوية مثل : أعوذ بعزتك أعوذ بعظمتك ، أعوذ برضاك ، أعوذ بكلمات الله التامة فحقيقته أنه استعاذة بالله متوسلًا إليه بهذه الصفات المقتضية للعياذ " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/ 165).
والله أعلم .
تعليق