الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

أيهما أولى : دعوة غير المسلمين للإسلام ، أم دعوة المسلمين غير الملتزمين للالتزام ؟

186813

تاريخ النشر : 19-01-2013

المشاهدات : 21935

السؤال


أحاول أن أقنع إخواني المسلمين بالعمل في دعوة غير المسلمين للإسلام ، ولكنهم يقولون : إنه ينبغي علينا أولاً أن نصلح من حال المسلمين ؛ لأنهم لا يصلون ، وغير ذلك من الأمور، وتناقشنا حول هذا الأمر . والسؤال :
هل من الأفضل أن يصبح لديك الآلاف من العمال في شركة وأن تُحسن من أحوالهم أم أن تُضيف إليهم ألفاً أخرين ؟ وهل العمل في الدعوة فرض ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الذي يظهر من عموم الأدلة الشرعية في ذلك أن الدعوة إلى الله تعالى واجبة على الأمة على الكفاية ، وواجبة وجوباً عينيًا على كل مسلم ، بحسب استطاعته وعلمه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري (3461) .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) :
" وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ، أن تكون فرقة من هذه الْأُمَّةِ مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّأْنِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 78) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل وأنها من الفرائض ، والأدلة في ذلك كثيرة منها قوله سبحانه : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، ومنها قوله جل وعلا : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ، ومنها قوله عز وجل: ( وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ومنها قوله سبحانه: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) ، فيبين سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله ، وهم أهل البصائر والواجب كما هو معلوم هو اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ، وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية , بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة , فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها, فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب , وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة, وعملا صالحا جليلا.

وإذا لم يقم أهل الإقليم , أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام , صار الإثم عاما, وصار الواجب على الجميع , وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه , أما بالنظر إلى عموم البلاد, فالواجب : أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة , تبلغ رسالات الله , وتبين أمر الله عز وجل بالطرق الممكنة ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة , وأرسل الكتب إلى الناس , وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل " . ينظر : "مجموع فتاوى ابن باز" (1 /330) .

ثانيا :
لا داعي إطلاقا للاختلاف في أيٍّ من العمل أولى : دعوة المسلمين أم دعوة غير المسلمين ؟ فمن وفقه الله لشيء من ذلك فعليه المضي فيه ، فمن المسلمين من يحسن دعوة غير المسلمين لما آتاه الله من حسن البيان أو سهول الإقناع أو معرفة لغة المدعوين من غير المسلمين ، أو لطبيعة عمله ، حيث يوجد معه كثير من غير المسلمين أو لسفره إلى بلادهم أو لوجود جيران له منهم ، وغير ذلك .
فمثل هذا نقول له : انشط في دعوة هؤلاء بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبالبرهان المبين ، وبالصبر عليهم .
وينظر إجابة السؤال رقم (99976) لمعرفة كيفية دعوة هؤلاء .

ومن المسلمين من يحسن دعوة إخوانه المسلمين لبعض ما تقدم ذكره ، أو لكونه لا صبر له على دعوة غير المسلمين ، أو لما تيسر له من سبل الإقناع وحسن المناظرة في المسائل العلمية وقطع المخالف والظهور عليه بالبينة ، ولما يحسنه من أنواع العلوم الشرعية التي قد يحتاجها من يدعو المسلمين أكثر ممن يدعو غير المسلمين .

والمقصود من ذلك كله أنه لا مجال للخلاف أو الجدال ، فضلا عن الشقاق حول ذلك الأمر ، فكلاهما مطلوب شرعا ، وكل ميسر لما خلق له ؛ فمن وجد من نفسه همة وتيسيرا في أحد البابين ، فلا ينكر على الآخر ، فكلاهما حسن مطلوب ، ولا ترتيب بينهما أصلا ؛ فلا نعلم أحدا من الدعاة الأولين : قال إننا سوف نمسك عن دعوة الكفار ، حتى نصلح أحوال المسلمين ؛ فمتى يحصل هذا أصلا ؟!
ولا نعلم أيضا أحدا دعى إلى ترك دعوة المسلمين ، وتعليمهم ، وإصلاح أحوالهم ، من أجل الانشغال بدعوة الكفار ، وجلبهم للإسلام .

فالدعوة لا تضاد فيها ولا اختلاف ، وإنما هي وظيفة كل مسلم ، وكلٌّ في ذلك بحسب ما يقدر عليه وما آتاه الله من علم وحلم ومال وغير ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم (150066) ورقم (77579) والسؤال رقم (164443) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب