الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

الذكر بـ( رضيت بالله ربا ) تجب له الجنة ، وليس( كان حقا على الله أن يرضيه )

192204

تاريخ النشر : 09-04-2013

المشاهدات : 108916

السؤال


ما مدى صحة الحديث : قال عليه الصلاة والسلام : ( ما من عبد مسلم يقول حين يُصبح وحين يُمسي ثلاث مرات : رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا . إلاَّ كان حقا على الله أن يُرضيه يوم القيامة ) . رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي في " الكبرى " ، وابن ماجه . ولقد ذكر في موقعكم الكريم أن الحديث : ( من قال : رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، وجبت له الجنة ) صحيح .
فأيهما علينا الأخذ به ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
ثبت عن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَا أَبَا سَعِيدٍ ، مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ) رواه الإمام مسلم في " صحيحه " (1884) من طريق عبد الله بن وهب ، حدثني أبو هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن أبي سعيد الخدري به مرفوعا .
ورواه أبو داود في " السنن " (1529) من طريق عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ، حدثني أبو هانئ الخولاني ، أنه سمع أبا علي الجنبي ، أنه سمع أبا سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ قَالَ : رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
ثانيا :
أما الحديث الآخر في السؤال فيروى عَنْ أَبِي سَلَّامٍ – وهو ممطور الحبشي – قَالَ : " مَرَّ رَجُلٌ فِي مَسْجِدِ حِمْصَ ، فَقَالُوا : هَذَا خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يَتَدَاوَلُهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ الرِّجَالُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا ، إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
رواه جماعة من أئمة المحدثين ، وقد اختلف الرواة فيه على أوجه :
الوجه الأول : عن كل من ( شعبة ، وهشيم ) : كلاهما عن أبي عقيل هاشم بن بلال قاضي واسط ، عن سابق بن ناجية ، عن أبي سلام ، عن خادم النبي صلى الله عليه وسلم .
طريق ( شعبة ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (31/302، 304) (38/195، 196)، والبخاري في " التاريخ الكبير " (4/201) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (9/6) ، وأبو داود في " السنن " (رقم/5072) ، وابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (5/286)، وابن أبي خيثمة في " التاريخ الكبير " السفر الثاني (1/ 287) .
وأما ما وقع في " المستدرك " للحاكم (1/699) من طريق شعبة أيضا قال : سمعت أبا عقيل ، يحدث عن أبي سلام سابق بن ناجية ، فهو تحريف ظاهر من النساخ . انظر " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (11/31) .
وقال الحاكم عقبه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وطريق ( هشيم ) رواه النسائي في " السنن الكبرى " (9/209) ، ومن طريقه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم/68) .
الوجه الثاني : عن سفيان ، عن أبي عقيل ، عن سابق بن ناجية ، ولكن جعله عن أبي سلام ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأسقط الواسطة بينهما وهو خادم النبي صلى الله عليه وسلم .
رواه هكذا الروياني في " المسند " (رقم/730) .
الوجه الثالث : عن مسعر، قال : حدثنا أبو عقيل ، عن سابق بن ناجية . ولكنه جعله عن أبي سلام خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجعل أبا سلام هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه هكذا ابن أبي شيبة في " المصنف " (5/324) (6/35) ، وعنه ابن ماجه في " السنن " (3870) ، وابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (1/348) ، ومن طريقه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص/283) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (22/367) ، وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " (رقم/6834) ، وابن عبد البر في " الاستيعاب " (4/1681) في ترجمة " أبي سلام الهاشمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه " هكذا قال ، ثم قال أيضا : " هذا هو الصواب في إسناد هذا الحديث ، وكذلك رواه ( هشيم وشعبة )، عن أبي عقيل ، عن سابق بن ناجية ، عن أبي سلام . ورواه وكيع عن ( مسعر ) فأخطأ في إسناده ، فجعله عن مسعر ، عن أبي عقيل ، عن أبي سلامة ، عن سابق خادم النبي صلى الله عليه وسلم . وكذلك قال في أبي سلام أبو سلامة فقد أخطأ أيضا " انتهى . وانظر أيضا " الاستيعاب " (2/682) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" ابن عبد البر صوب رواية مسعر ، وقد علمت أنها جعلت أبا سلام خادم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو واهم في ذلك " انتهى من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (11/32) .
الوجه الرابع : عن مسعر ، عن أبي عقيل ، عن أبي السلام ، عن سابق خادم النبي صلى الله عليه وسلم . فأسقط سابق بن ناجية ، وسمى به خادم النبي صلى الله عليه وسلم .
رواه ابن أبي خيثمة في " التاريخ الكبير " السفر الثاني (1/ 287) في ترجمة " سابق خادم النبي صلى الله عليه وسلم ". هكذا قال .
قال ابن الأثير رحمه الله :
" قالوا : وهو وهم " انتهى من " أسد الغابة " (2/379)، ومن الأوهام أيضا في طريق مسعر أنه روي عنه موقوفا كما في " معجم الصحابة " (1/ 326) لابن قانع .
فالصواب هو الوجه الأول من طريق ( شعبة وهشيم )، عن سابق بن ناجية ، عن أبي سلام ، عن خادم النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام المزي رحمه الله :
" وهو الصواب " انتهى من " تهذيب الكمال " (10/125) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" الصحيح أبو سلام عن صحابي " انتهى من " الكاشف " (2/433) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
" حديث شعبة في هذا هو المحفوظ " انتهى من " الإصابة " (7/158) .
ومع ذلك فالإسناد ضعيف بسبب جهالة سابق بن ناجية الذي يدور الحديث عليه ، ترجمته في " تهذيب الكمال " (10/125) وليس فيها توثيق ولا تجريح له ، ولم يرو عنه سوى راو واحد . ولهذا ضعف الحديث الشيخ الألباني رحمه الله وكان مما قال : " وقد رواه سعيد بن المرزبان عن أبي سلمة عن ثوبان مرفوعاً بلفظ : ( من قال حين يسمي : رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ؛ كان حقاً على الله أن يرضيه ) رواه الترمذي (3386) ؛ وقال : " حسن غريب " ! لكن ابن المرزبان هذا مدلس ، بل ضعفه البخاري وغيره تضعيفاً شديداً وتركوه ، ومن المحتمل أنه تلقاه عن سابق بن ناجية المجهول ثم دلسه ، وقال - وهماً منه أو قصداً وتدليساً -: " عن أبي سلمة "، بدل : ( أبي سلام ) ، و : " عن ثوبان " بدل : " عن خادم النبي عليه الصلاة والسلام ".
ولذلك ؛ لم أذهب في تعليقي على " الكلم الطيب " إلى تقوية الحديث بمجموع الطريقين ، مع ما بين متنيهما من الاختلاف في اللفظ كما هو ظاهر بأدنى تأمل . وقد جاء ذكره في " صحيح الكلم الطيب " برقم (23) سهواً مني ، أرجو الله أن يغفره لي ، فيرجى حذفه " انتهى باختصار من " السلسلة الضعيفة " (رقم/5020، 11/32-33) .
فالخلاصة أن الحديث الصحيح هو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وفيه قوله ( وجبت له الجنة )، أما حديث خادم النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : ( كان حقا على الله أن يرضيه ) فليس بصحيح .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب