الحمد لله.
أولا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (95329) بيان أنه لا حرج في خصاء الحيوانات إذا كان لمصلحة مقصودة صحيحة ، وهو مذهب جمهور العلماء .
ولم يرد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تعامل مخصوص مع الحيوانات المخصية ، أو أحكام خاصة بها ؛ وإنما غاية ما هنالك أنه ضحى بكبشين خصيين ، وهذا يدل على مشروعيته ، مشروعية الخصاء من ناحية ، ومشروعية الأضحية بالحيوان المخصي .
روى أحمد (23348) عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ : ( ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجِيَّيْنِ خَصِيَّيْنِ ) وصححه الألباني في "الإرواء" (4/360) .
قال الشيخ ابن عثيمين الله :
" يجوز الأضحية بالخصي ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبشين موجوءين - يعني: مقطوعي الخصيتين- ووجه ذلك أن الخصي يكون لحمه أطيب ، فالخصاء لن يضره شيئا " انتهى من "اللقاء الشهري" (3 /111) .
وأما المجبوب مقطوع الذكر فلا تجوز الأضحية به ، كما سيأتي .
ثانيا:
لم يداوم النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الخصي في الأضحية ، بل كان يختار
أيضا الفحيل غير الخصي .
روى أبو داود (2796) والترمذي (1496) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ ،
يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَأْكُلُ فِي سَوَادٍ وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ )
صححه الألباني .
وروى الإمام مالك (1043) عَنْ نَافِعٍ : " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَحَّى
مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ ، قَالَ نَافِعٌ : فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ
كَبْشًا فَحِيلًا أَقْرَنَ ، ثُمَّ أَذْبَحَهُ يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى
النَّاسِ ".
قال في "النهاية" (3/ 417) :
" الفَحِيل: المُنْجِب فِي ضِرَابه ، واخْتار الفَحْل عَلَى الخَصِيِّ والنَّعْجة
طَلَبَا لنُبْله وعِظَمه " .
وينظر : "تهذيب اللغة " للأزهري (5/48) .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" أَمَّا الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ الْفَحْلُ فَهُوَ أَفْضَلُ الضَّحَايَا عِنْدَ
مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ " انتهى من "الاستذكار" (5/ 220) .
ورجح بعض أهل العلم الخصي لطيب لحمه ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يجوز أن يذبح الخصي في الأضحية ، حتى إن بعض أهل العلم رجحه على الفحل ، قال لأن
لحمه يكون أطيب ، والصحيح أن الفحل من ناحية أفضل بكمال أعضائه وأجزائه ، وهذا أفضل
بطيب لحمه " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (9/42) .
وسوى آخرون بينهما بدون ترجيح :
قال الشوكاني رحمه الله :
" وَاسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّضْحِيَةِ
بِالْمَوْجُوءِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُقْتَضَى لِلِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ
قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّضْحِيَةُ بِالْفَحِيلِ
كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ، فَيَكُونُ الْكُلُّ سَوَاءً " انتهى من "نيل
الأوطار" (5/ 142) .
ولعل الأقرب هنا أن يقال : إن " الأفضل من كل جنس أسمنه ، وأكثره لحما ، وأكمله
خلقة ، وأحسنه منظراً " ، كما في "أحكام الأضحية والذكاة" (2/ 229) .
فإن كان الفحيل أعظم وأطيب لحما : فهو أفضل ، وإن كان الخصي أعظم وأفضل لحما : فهو
أفضل .
تعليق