الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

صديقه يشتري الأفلام المحرمة وهو ينصحه بأخذها دون شراء ظنا منه أن هذا يخفف من الإثم

192676

تاريخ النشر : 15-05-2013

المشاهدات : 15531

السؤال


لدي سؤال أشكل علي ، وهو أن أحد أصحابي ابتلي بمشاهدة الأفلام ، ويذكر لي أنه يشتري نسخاً أصلية بمبلغ معين ، وعندما ناصحته بشأن المشاهدة ، قال : إنه لا يستطيع تركها !! فقلت له : لا تدفع ثمنها ، بحكم أنها محرمة ؛ تخفيفاً للإثم ( حسب ظني ) ؟ فأجابني : أن دفع المال فيها أهون من سرقتها ، عن طريق تحميلها بطرق غير شرعية ، كما يسمي ، فأشكل علي الأمر : هل دفع ثمنها أهون ؟ ، أم عدم دفع ثمن هذه المحرمات أهون ؟ علماً أنه إذا لم يدفع ثمنها أصلية ، فإنه يحصل على نسخ رقمية من خلال الإنترنت ، لا تكلف الشركات قيمة ملموسة ؟ وسؤال آخر: إذا ورد في كتب الفقه كلمة يحرم بيع كذا ، أو يحل بيع كذا ، أو ثمن كذا : فهل المقصود البيع و الشراء ؟ أو البيع فقط ؟

الجواب

الحمد لله.


الأفلام المحرمة كما لا يجوز مشاهدتها ، لا يجوز بيعها , ولا شراؤها , ولا هبتها , ولا اقتناؤها , بل يجب إفسادها وإتلافها بالقدر الذي تنتفي معه المفسدة ؛ فإن كانت مادة هذه الأفلام على أشرطة أو سيديهات ونحوها ، فيكفي مسحها فقط , فإن كان لا يمكن مسحها ، ويجب حينئذ إتلاف هذه الأشياء التي تشتمل عليها .
وكذلك يجب مسحها من أجهزة الحاسب الآلي ، إن كانت محملة عليها .
وقد سبق الحديث عن إتلاف آلات المعصية وضوابطه في الفتوى رقم: (144196) .
ومن هنا يُعلم أن صاحبك هذا لا يجوز له دفع المال لمشاهدة هذه الأفلام ، إذا كانت على الصفة المعروفة من الأفلام التمثيلية ، وما فيها من نساء ، وغناء ، و...
وإذا تقرر ذلك ، تقرر تحريم بيعها وشرائها ؛ فقد نهى الله سبحانه ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعة المال ، وذلك فيما رواه البخاري (5975) ومسلم (593) عن الْمُغِيرَة بن شعبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ ثَلاثٍ : قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ ) .
وسوف يُسأل كل إنسان يوم القيامة عن ماله : من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه , رواه الترمذي (2417) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن عبد البر رحمه الله " إِضَاعَةُ الْمَالِ: إِنْفَاقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ، مِنَ الْبَاطِلِ ، وَالْإِسْرَافِ وَالْمَعَاصِي , وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عند ذوي الدين والألباب ؛ فعن إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ قَالَ سَأَلْتُ عُمَرَ مَوْلَى عَفْرَةَ عَنِ الْإِسْرَافِ : مَا هُوَ ؟ فَقَالَ : كُلُّ شَيْءٍ أَنْفَقْتَهُ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ , وَفِي غَيْرِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ : فَهُوَ إِسْرَافٌ وَإِضَاعَةٌ لِلْمَالِ , وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ ؟ فَقَالَ: أَنْ يَرْزُقَكَ اللَّهُ رِزْقًا ، فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ . وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ –" انتهى من " الاستذكار " (8 / 580) باختصار .
وأيضا : لا يجوز له أن يحصل على هذه الأفلام عن طريق السرقة والقرصنة ، دون أن يدفع فيها مالا , ولا يجوز لك أن تنصحه بذلك ؛ لأنك بذلك تسهل عليه طريق المعصية , وتيسره له , فإنه من المعلوم أن المال عزيز ، وقد جبلت النفوس على إمساكه والبخل به , فعندما تنصحه بأن يدخر ماله ، ويأخذ المعصية هكذا صفوا عفوا دون مال ولا كلفة , ففي هذا نوع إعانة له على ما يفعل ، وإذا كان يقتصر في المشاهدة على ما يدفع فيه مالا ، وبحسب قدرته ؛ فإذا أتيح له باب الأخذ من غير مال ، سهل عليه أمر ذلك ، وتوسع فيه توسع من لا تشق عليه نفقة ، أو يعز عليه مال .
وأما سؤالك عن قول الفقهاء يحرم بيع كذا أو يحل بيع كذا أو ثمن كذا فهل المقصود البيع والشراء ؟ أو البيع فقط ؟
فالجواب: أن الأصل المتقرر أن ما حرم بيعه حرم شراؤه ؛ فكيف يحرم الله بيع شيء ، ويحرم ثمنه ، ثم يأذن للمشتري أن يدفع فيه ثمنا حراما ؟!
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ ) رواه أبو داود ( 3488 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله ، بعد ذكر الحديث السابق ، وما يشبهه في هذا الباب :
" فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا :
أَنَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ الِانْتِفَاعَ بِه ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ ، وَأَكْلُ ثَمَنِهِ ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: ( إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ ) ؛ وَهَذِهِ كَلِمَةٌ عَامَّةٌ جَامِعَةٌ تُطْرَدُ فِي كُلِّ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَرَامًا، وَهُوَ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ حَاصِلًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ، كَالْأَصْنَامِ ، فَإِنَّ مَنْفَعَتَهَا الْمَقْصُودَةَ مِنْهَا الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمَعَاصِي عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ مُحَرَّمَةٌ، كَكُتُبِ الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، وَكَذَلِكَ الصُّوَرُ الْمُحَرَّمَةُ، وَآلَاتُ الْمَلَاهِي الْمُحَرَّمَةِ كَالطُّنْبُورِ، وَكَذَلِكَ شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلْغِنَاءِ....
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ إِتْلَافِ عَيْنِهِ ؛ فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ مُحَرَّمًا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ ، كَمَا يَحْرُمُ بَيْعُ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، مَعَ أَنَّ فِي بَعْضِهَا مَنَافِعَ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَدَفْعِ الْغُصَّةِ بِالْخَمْرِ، وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ بِهِ، وَالْخَرَزِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَالِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ وَجِلْدِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَنَافِعُ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ، لَمْ يُعْبَأْ بِهَا، وَحَرُمَ الْبَيْعُ بِكَوْنِ الْمَقْصُودِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ أَكْلَهُمَا، وَمِنَ الْخَمْرِ شُرْبَهَا، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى مَا عَدَا ذَلِكَ .. " انتهى ، مختصرا من "جامع العلوم والحكم" (2/447-449) .
ثم لا فرق في ذلك كله : بين البيع والشراء ، وهذا أمر واضح ، ولذلك لما حرم الله أكل الربا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ ) رواه أبو داود (3333) وصححه الألباني .
قال علماء اللجنة الدائمة " ما حرم أصله حرم بيعه وشراؤه والانتفاع بثمنه " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (14/461).
وجاء فيها -أيضاً - (24/85 – 86) : " وإذا حرم الشيء حرم بيعه وشراؤه وثمنه " انتهى من جواب الفتوى رقم : (18018) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب