الحمد لله.
أولا :
سبق في جواب السؤال رقم : (153274) التحذير من الأدعية المخترعة ، التي تروج بين الناس ، فيتركون بها الدعاء الشرعي الثابت في الكتاب والسنة ، ويلتزمون ذلك ، ولا شك أن مثل هذا من الخطأ الواضح ، ومن الغبن .
قال القرطبي رحمه الله :
" فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ، ويدع ما سواه ، ولا يقول : أختار كذا ؛ فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه ، وعلمهم كيف يدعون " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (4 /231) .
ثانيا:
الدعاء المذكور : بعض جمله مما ورد في السنة ، وهو قوله : " اللهم إني أعوذ بك من
ساعة السوء ويوم السوء وليلة السوء وصديق السوء وجار السوء " ؛ فقد روى الطبراني في
"المعجم الكبير" (810) عن عقبة بن عامر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ، ومن ليلة السوء ، ومن ساعة السوء، ومن
صاحب السوء ، ومن جار السوء ، ومن جار السوء في دار المقامة )
قال الهيثمي :
" رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت البزار وهو ثقة " .
"مجمع الزوائد" (10 /212)
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1299) .
وروى أبو داود (1552)
والنسائي (5531) عَنْ أَبِي الْيَسَرِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ
الْهَدْمِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ التَّرَدِّي ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْغَرَقِ
وَالْحَرَقِ وَالْهَرَمِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ
الْمَوْتِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا ، وَأَعُوذُ بِكَ
أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا ) .
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
رابعا :
التعوذ بالله من إبليس وجنده ، ومن ذي الوجهين وذي اللسانين ، ومن ساعة الغفلة ،
وسؤال الله انشراح الصدر وتيسير الأمر والحفظ في النفس والأهل والأحبة ، ونحو ذلك
مما ورد في الدعاء : لا حرج فيه من حيث الأصل ، إنما الحرج في تتبع ذلك وصياغته
صياغة معينة ، وترتيبه وتعاهده في الدعاء ، ودعوة الناس إلى العمل به ونشره وإرساله
إلى من يحبونهم ، ونحو ذلك مما يتكلفه الناس في هذه الأدعية المبتكرة المخترعة
الملفقة ، وقد يدخل في جملة هذه الأدعية كثير من الألفاظ أو المعاني المخترعة
المبتدعة .
ما جاء في هذا الدعاء من الاستعاذة من الحديد ومن الطريق ، هكذا بإطلاق ، لا نعرف له أصلا ، بل لا نعرف له وجها إلا بالتكلف وقد نهينا عن التكلف .
سادسا :
قوله : " اللهم إني حصنت نفسي وأهل بيتي جميعا بالحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا
نوم " لا يعرف مثل هذا في السنة ، ولا يقال : حصنت نفسي بالله ، إنما يقال : حصنت
نفسي باللجوء إلى الله ، أو بذكر الله ، ونحو ذلك .
وكذلك فإن قوله " دفعت عني وعنهم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله " فلعله أخذه
واستفاده مما رواه العقيلي في " الضعفاء " (1/225) وابن عساكر في تاريخه (9/211) عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يلتقي الخضر وإلياس عليهما السلام في
كل عام في الموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويفترقان عن هؤلاء الكلمات : "
بسم الله ما شاء الله ، لا يسوق الخير الا الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا
الله ، ما شاء الله ، ما كان من نعمة فمن الله ؛ ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا
بالله " . من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والحرق ،
والسَّرَقِ ، وأحسبه قال : ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب ) وهذا حديث باطل ،
أورده الشيخ الألباني في الضعيفة (6251) وقال : " موضوع ".
سابعا :
تذكير الناس بذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل ونحو ذلك لا حرج فيه ، بل هو
مستحب مندوب إليه ، ولكن دون أن يكون على هذا الوجه من التنسيق الذي ابتلي به الناس
عبر رسائل الانترنت ، كأن يحدد عددا معينا من التسبيح أو التحميد ، أو زمنا معينا ،
أو يلزم المرسل إليه بذلك إلزاما ، ويتوعده إن لم يفعل ما يأمره به ، إلى غير ذلك
من هذا العدوان على شريعة الله ، ولكن له أن يذكره به مطلقا فيقول : لا تنس ذكر
الله ، حافظ على أذكار الصباح والمساء ، ونحو ذلك .
فينبغي الحذر من سبل البدعة وتوقي ذلك ، ولا يكون ذلك إلا بالتزام السنة ، وموافقة
السلف ، دون مخالفتهم أو الخروج عن سبيلهم ؛ لأن الخروج عن سبيل السلف وطريقتهم
خروج عن صراط الله ، وقد قال الله عز وجل : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام/ 153 ، وقال تعالى في
وصف الصراط : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) الفاتحة/ 7 .
راجع جواب السؤال رقم : (95218)
.
وحاصل ذلك كله :
أننا لا نرى الانشغال بمثل هذا الدعاء المذكور ، ولا نشره في الناس ، أو الدعوة
إليه ؛ فإن كنت لا بد فاعلا ، فأمامك من الأذكار والأدعية الشرعية ، ما هو أعظم
بركة ، وأرجى لك في الأجر إن دعوت الناس إليه ، ودللتهم عليه .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (98780) .
والله أعلم .
تعليق