السبت 1 جمادى الأولى 1446 - 2 نوفمبر 2024
العربية

بماذا يجيب القائلون بالتثنية في قيام الليل عن حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ؟

195355

تاريخ النشر : 23-12-2013

المشاهدات : 39508

السؤال


هل تجوز أداء صلاة الليل أربع ركعات بسلام واحد ؟ فقد سمعت أن أحد الصحابة كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم العشاء الآخرة نفلاً له . وإذا كان ذلك لا يجوز .فما تأويل هذا الحديث الذي وردت فيه قصة هذا الصحابي ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
اختلف الفقهاء في صفة قيام الليل – من حيث صفتها العددية - وذلك على قولين :
القول الأول :
يستحب في قيام الليل أن يسلم من أربع ركعات ، وليس من ركعتين ، ولو صلاها ركعتين كانت صحيحة ولا شيء عليه ، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
يقول الإمام السرخسي رحمه الله :
" التطوع بالليل ركعتان ركعتان ، أو أربع أربع ، أو ست ست ، أو ثمان ثمان ، أي ذلك شئت ؛ لما روي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل خمس ركعات ، سبع ركعات ، تسع ركعات ، إحدى عشرة ركعة ، ثلاث عشرة ركعة ).
والأربع أحب ، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى .
ولنا : ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سئلت عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليالي رمضان ، فقالت : ( كان قيامه في رمضان وغيره سواء ، كان يصلي بعد العشاء أربع ركعات ، لا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم أربعا لا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم كان يوتر بثلاث ) .
ولأن في الأربع بتسليمة معنى الوصل والتتابع في العبادة ، فهو أفضل .
والتطوع نظير الفرائض ، والفرض في صلاة الليل العشاء ، وهي أربع بتسليمة ، فكذلك النفل ". انتهى من " المبسوط " (1/158) .
القول الثاني :
يجب أن تكون صلاة الليل مثنى مثنى ، بحيث يسلم من كل ركعتين . وهو قول الحنابلة ، فإن زاد عن الركعتين بطلت صلاته .
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" صلاة التطوع مثنى مثنى ، يعني يسلم من كل ركعتين ، والتطوع قسمان ؛ تطوع ليل ، وتطوع نهار ، فأما تطوع الليل فلا يجوز إلا مثنى مثنى ، هذا قول أكثر أهل العلم ، وبه قال أبو يوسف ، ومحمد . وقال أبو حنيفة : إن شئت ركعتين ، وإن شئت أربعا ، وإن شئت ستا ، وإن شئت ثمانيا .
ولنا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الليل مثنى مثنى ) متفق عليه ، وعن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مفتاح الصلاة الطهور ، وبين كل ركعتين تسليمة ) رواه الأثرم " انتهى من " المغني " (2/91) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا كانت صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ، فما الحكم لو قام الإنسان إلى ثالثة .
الجواب : صلاته تبطل إذا تعمَّد ؛ لأنه إذا تعمَّد الزِّيادة على اثنتين ، فقد خالف أمْر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدَّال على أن صلاة الليل مثنى مثنى ، وإذا خالف أَمْرَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم : ( مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أَمْرُنَا فهو رَدٌّ )، ولهذا قال الإمام أحمد : إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل ، فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر ، ومن المعلوم أنه إذا قام إلى ثالثة في صلاة الفجر متعمِّداً بطلت صلاته بالإجماع ، فكذلك إذا قام إلى ثالثة في التطوُّع في صلاة الليل ، فإنَّ صلاته تبطل إنْ كان متعمِّداً " .
انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (4/ 77) .
القول الثالث :
يستحب أن تكون صلاة الليل مثنى مثنى ولا يجب ، فلو سلم من أربع فصلاته صحيحة ولا حرج عليه ، ولكنه خالف المستحب . وهو مذهب المالكية والشافعية على اختلاف يسير بينهما .
يقول النفراوي المالكي رحمه الله :
" يكون تنفله مثنى مثنى ، أي ركعتين ركعتين ، ويكره أن يصلي أربعا من غير فصل بسلام " انتهى من " الفواكه الدواني " (1/201) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله :
" الأفضل أن يسلم من كل ركعتين ، وسواء نوافل الليل والنهار ، يستحب أن يسلم من كل ركعتين ، فلو جمع ركعات بتسليمة ، أو تطوع بركعة واحدة ، جاز عندنا " .
انتهى من " شرح مسلم " (6/30) .
وقال الإمام الرملي الشافعي رحمه الله :
" الأفضل للمتنفل ليلا ونهارا أن يسلم من كل ركعتين ، بأن ينويهما ابتداء ، أو يقتصر عليهما في حالة الإطلاق ؛ لخبر : ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ) والمراد بذلك أن يسلم من كل ركعتين ؛ لأنه لا يقال في الظهر مثلا مثنى . أما التنفل بالأوتار فغير مستحب " انتهى من " نهاية المحتاج " (2/130) وعلق الشبراملسي في الحاشية على قوله " فغير مستحب " فقال : " أي : ولا مكروه ؛ ولو بواحدة " انتهى باختصار.
وينظر جواب السؤال رقم : (45268).
ثانيا :
أما الصحابي الذي كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم يذهب بعد ذلك إلى قومه ، فيصلي بهم العشاء ، فهو معاذ بن جبل رضي الله عنه ، فقد روى البخاري (6106) ، ومسلم (465) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ ، فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ " .
ولا يظهر أن حديث معاذ من هذا الباب : باب التطوع بالنفل المطلق ، سواء كان ذلك في الليل ، أو في النهار ؛ وإنما هو في باب آخر : باب التطوع بـ"إعادة صلاة الفريضة" ، مرة أخرى ، لأجل تحصيل فضيلة شرعية ؛ إما لحضور الجماعة ، وهو صلى منفردا ، أو لأجل الصدقة على المنفرد ، لتكون له جماعة ، كما في حديث أبي داود (574) من حديث أبي سعيد الخدري : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده ، فقال : ( أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا ، فَيُصَلِّيَ مَعَهُ )، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح سنن أبي داود".
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى فَرْضُهُ وَالثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ (لَهُ) وَتَدُلُّ أَيْضًا (على) إعادة الصلاة مَعَ الْإِمَامِ أَنَّهُ أَمْرٌ عَامٌّ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا تَعْيِينٍ.." انتهى من "التمهيد" (4/257) .
وبوب مجد الدين ابن تيمية في "المنتقى" على هذا الحديث ، وما يشبهه : " بَابُ الرُّخْصَةِ فِي إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي كُلِّ وَقْتٍ" .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى ، لِأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إنَّمَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ فَلَا يُعِيدُ فِي أُخْرَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ ، وَلَوْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى لَأَعَادَ فِي ثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ " انتهى من "نيل الأوطار" (3/112) .
وينظر : "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/173-175) .
ولعله لأجل خروج حديث معاذ عن هذا الباب ، والله أعلم ، لم نقف على من احتج به من أهل العلم على مذهبه في جواز الزيادة في التنفل على ركعتين ، ولم نجد كذلك جوابا عنه لمن منع ذلك ، ولم يرخص في الزيادة على ركعتين في النفل ، على ما ذكرناه من الخلاف .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب