الحمد لله.
الماء المتبقي على الجسد من أثر الغسل أو الوضوء أو ما يصيب المنشفة منه بعد تنشيف البدن وتجفيفه بها لا يخرج عن أصله وهو الطهارة .
وقد روى البخاري (275) ومسلم (605) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ، ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ ، فَقَالَ لَنَا: ( مَكَانَكُمْ ) ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ ، فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ " .
فهذا يدل على أن الماء المتبقي من أثر الغسل أو الوضوء طاهر ، سواء علق بالبدن أو سقط على الأرض أو جُفف بالمنشفة ، وعلى ذلك فلا ينجس ما لاقاه من البدن أو الأرض أو المنشفة .
قال ابن المنذر رحمه الله :
" أجمع أهل العلم على أن الرجل المحدث الذي لا نجاسة على أعضائه لو صب ماء على وجهه
أو ذراعيه فسال ذلك عليه وعلى ثيابه أنه طاهر، وذلك أن ماء طاهرا لاقى بدنا طاهرا ،
وكذلك في باب الوضوء ماء طاهر لاقى بدنا طاهرا وإذا ثبت أن الماء المتوضأ به طاهر
وجب أن يتطهر به من لا يجد السبيل إلى ماء غيره ولا يتيمم وماء طاهر موجود .
وفي إجماع أهل العلم أن الندى الباقي على أعضاء المتوضئ والمغتسل وما قطر منه على
ثيابهما طاهر دليل على طهارة الماء المستعمل " انتهى من "الأوسط" (1/ 288) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِنْ قِيلَ: فَنَحْنُ نَحْتَرِزُ مِنْ ذَلِكَ [ يعني : من غمس اليد في الماء ،
والاغتراف منه في الطهارة ] ، لِأَجْلِ قَوْلِ مَنْ يُنَجِّسُ الْمَاءَ
الْمُسْتَعْمَلَ.
قِيلَ : هَذَا أَبْعَدُ عَنْ السُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ
الْمُسْتَعْمَلِ نَجَاسَةً حِسِّيَّةً ، كَنَجَاسَةِ الدَّمِ وَنَحْوِهِ - وَإِنْ
كَانَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ
سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا؛ مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ
وَالْأَدِلَّةِ الْجَلِيَّةِ ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَوَارِدِ
الظُّنُونِ ، بَلْ هِيَ قَطْعِيَّةٌ بِلَا رَيْبٍ ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَصَبَّ
وَضُوءَهُ عَلَى جَابِرٍ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ
كَمَا يَأْخُذُونَ نُخَامَتَهُ وَكَمَا اقْتَسَمُوا شَعْرَهُ عَامَ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ ، فَمَنْ نَجَّسَ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ
نَجَّسَ شُعُورَ الْآدَمِيِّينَ بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَجَّسَ الْبُصَاقَ ..
وَأَيْضًا فَبَدَنُ الْجُنُبِ طَاهِرٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَاءُ
الطَّاهِرُ إذَا لَاقَى مَحَلًّا طَاهِرًا لَمْ يَنْجُسْ بِالْإِجْمَاعِ ." انتهى
من "مجموع الفتاوى" (21/66-67) .
وينظر : "بدائع الصنائع" للكاساني (1/67) .
وبناء على ما سبق :
فإذا قام المغتسل أو المتوضئ بتنشيف أعضائه فإن المنشفة التي استعملها طاهرة ، وله
استعمالها مرة ثانية ، وأكثر ، وأن مجرد تنشيف أعضاء الطهارة فيها : لا ينجسها ،
لأن العضو طاهر ، والماء المنفصل عنه كذلك : طاهر .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (103968) ، والسؤال رقم : (170801) .
والله أعلم .
تعليق