الحمد لله.
بداية نشكر للسائل الكريم هذا الحس العالي تجاه الناس جميعا ، من حب الخير لهم ، والرغبة في دفع الشر والإثم عنهم ، خاصة في تحمل مسؤولية دعوة غير المسلمين في جميع التعاملات ، حتى لو كانت على الحساب الشخصي ، فنسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر والمثوبة ، وأن يوفقنا وإياك إلى كل خير .
ومن المعلوم فقها أن العقود على المحرمات هي عقود باطلة ، لا تترتب عليها آثارها ، وينال الإثم جميع الأطراف المشاركة فيها ، ومن مقتضيات بطلانها أن ملكيتها لا تنتقل بالعقد عليها ، وأن أثمانها يجب أن تعود إلى دافعها ما لم ينتفع بما اشتراه ، على اختلاف بين العلماء ، إذ البيع مفسوخ أصلا ، وغير نافذ ابتداء .
وهذا الحكم ينطبق أيضا على شراء الأسهم في الشركات ذات النشاط المحرم ، كالبنوك الربوية ، وشركات بيع الخمور والخنزير ، وشركات التبغ والدخان ، وشركات المقامرة أو الفن الهابط ونحو ذلك ، فمن اشترى سهما فيها فشراؤه باطل ، والتوبة الصادقة من هذا الإثم تقتضي التخلص من الالتزامات المدنية لهذا العقد ، إذ التوبة تجب ما قبلها ، والله عز وجل يقول : ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) البقرة/279.
فإن اعترفت الشركة ببطلان شرائه ووافقت على إرجاع المال له طوعاً – وهذا ما لا يحدث عادةً إلا في حالة الشركات الخاصة المحدودة الشركاء – فمن حق المساهم التائب استرجاع حقه من خلال فسخ عقد المساهمة مع الشركة المحرمة نفسها ، فيأخذ رأس ماله ، وكل ما زاد عليه يجب بذله في وجوه البر والخير ، ولا يحل له الاستفادة منه ، ويبقى واجب التوبة والاستغفار لتكفير تلك المعصية .
أما إن لم تقبل الشركة أو الهيئة المنظمة لسوق الأوراق المالية الاعتراف ببطلان بيع وشراء أسهم الشركات المحرمة ، أو كانت الشركة مساهمة عامة لا تتاح فيها فرصة التخلص من الأسهم إلا من خلال بيعها من جديد في السوق المالي ، فأمامنا في هذه الحال أمران:
الأول : تركها وإبقاؤها في ملكه ، وهذا استمرار في الإثم ؛ لأن المساهم شريك في المحرمات التي تدور وتدار في الشركة ، بالإضافة إلى ما في تركها من مساهمة في انتقال المحرم إلى الورثة بعد الموت .
والثاني : أن يتخلص منها بالبيع في سوق الأسهم .
وهذا الخيار الثاني وإن كان لا يخلو من المحظور كإعانة غيره على المشاركة المحرمة ، لكنه أهون من الذي قبله .
ولهذا أفتت اللجنة الدائمة ببيعها للخلاص منها ، كما سبق نقل فتواهم في جواب السؤال : (35726) .
والله أعلم .
تعليق