الحمد لله.
أولا :
طلب العلم الشرعي الذي يعرف به المسلم حدود ما أنزل الله على رسوله ، فيتعلم الحلال والحرام ، ويعرف أحكام العقود والمعاملات في مختلف الأبواب ، وما يجب عليه من الاعتقاد ، إلى غير ذلك من سائر أبواب العلوم الشرعية من أشرف المطالب وأسمى المقاصد ، وخاصة إذا تعلم العلم ثم علمه الناس .
وطلب العلم من الجهاد في سبيل الله , ولا سيما في وقتنا هذا حيث يكثر الجهل وتنتشر البدع ويتقلد الفتيا من ليس لها أهلا .
راجع إجابة السؤال رقم : (20092) .
وقد روى الترمذي (2685) وصححه ، عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ ) .
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
فمن كان يدرس في الجامعات الإسلامية العلم الشرعي على منهج أهل السنة بنية تعلم العلم وتعليمه الناس واحتساب الأجر على الله يرجو بذلك عقبى الله فلا شك أنه من المجاهدين في سبيل الله ، وخاصة إذا كان ببلاد تكثر فيها البدع ويقل فيها العلم وينتشر فيها الجهل ، فطلب العلم في تلك البلاد من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله .
ثانيا :
لا يلزم من حصول المجاهد على منزلة الشهادة بالقتل في سبيل الله أن يكون أعظم درجة من طالب العلم بإطلاق ، فقد ينبغ الطالب حتى يصير عالما فينفع الله به الأمة بأسرها نفعا لا يحصل مثله بالجهاد والقتل في سبيل الله .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا يلزم من كون الشهيد أعظم أجرا من طالب العلم في نيل الشهادة إذا قتل في سبيل الله عز وجل ، لا يلزم منه الفضل المطلق .
وهذه المسألة أشار إليها العلامة ابن القيم في ( النونية ) وهي: أن الإنسان إذا تميز بخصيصة لا يلزم منه أن يكون أفضل على الإطلاق .
فالشهيد وإن تميز بالشهادة في سبيل الله عز وجل ، لكن يكون على يد طالب العلم والعلماء من مصلحة الأمة ونشر الدعوة ما لا يكون في ديوان الشهيد.
أرأيتم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ماذا نفعه للأمة ؟ ولو نظرنا إلى عدد كبير من الشهداء ما حصل للأمة نفع مثلما حصل من علم ابن تيمية رحمة الله على الجميع " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (25/ 306-307) .
ثالثا:
المفاضلة بين الجهاد في سبيل الله وبين طلب العلم تكون بحسب اختلاف الأحوال ، فإذا
كان الجهاد فرض عين ، فالجهاد أفضل من طلب العلم ، بل يتعين الانتقال إليه.
وإذا كان فرض كفاية فطلب العلم أفضل .
وكذلك بالنسبة للأشخاص : فمن كان متصفا بالشجاعة والإقدام والنكاية بالعدو فالجهاد
في حقه أفضل ، وخاصة إذا كان استيعابه للعلم ضعيفا .
ومن كان مُجِدا في الطلب ، سريع الفهم ، قوي الحفظ ، معروفا بالنبوغ : فطلب العلم
في حقه أفضل ، وخاصة إذا كان ضعيف البنية ، وليست عنده دراية كافية بأساليب الحرب
والقتال .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا شك أن طلب العلم الشرعي من أفضل الأعمال الصالحة ، بل هو معادلٌ للجهاد في
سبيل الله ، كما قال الله تبارك وتعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة/122 ، فبين الله عز وجل أن المؤمنين لا يمكن أن
ينفروا جميعاً للجهاد في سبيل الله ؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعطل المنافع الأخرى التي لا
بد للإسلام من القيام بها .
فطلب العلم الشرعي لا شك أنه معادل للجهاد في سبيل الله .
واختلف العلماء أيهما أفضل: العلم أو الجهاد ؟ ولا شك أن منفعة العلم أعم من منفعة
الجهاد ؛ لأن منفعة الجهاد إذا تحققت فإنما هي في جزءٍ معين من الأرض، لكن العلم
ينتفع به كل الناس ، فالعلم من حيث المنفعة هو أفضل من الجهاد ، لكن مع ذلك قد نقول
لبعض الناس : الجهاد في حقهم أفضل ، ونقول لآخرين: العلم في حقهم أفضل ، ويظهر هذا
بالمثال : فإذا كان هناك رجل شجاع قوي عالمٌ بأساليب الحرب ، ولكنه في طلب العلم
رديء الحفظ صعب عليه والفهم قليل ، فهذا نقول: الجهاد في حقه أفضل لأنه أنفع .
وآخر ليس بذاك في الشجاعة ، ومعرفة أساليب الحرب، لكنه قوي في الحفظ ، قوي في الفهم
، قوي في الحجة ، قوي في الإقناع ، فهذا نقول: طلب العلم في حقه أفضل .
إذاً الخطوط التي نفهمها الآن :
- طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله .
- أيهما أفضل؟ يختلف هذا باختلاف الناس ، فبعض الناس نقول له : الجهاد في حقك أفضل
، وبعض الناس نقول له : العلم في حقك أفضل ، حسب ما يقتضيه الحال " انتهى من "لقاء
الباب المفتوح" (164/ 2) بترقيم الشاملة .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (128163) .
رابعا :
أجر العامل وتضعيفه يعلمه الله ، ويكون ذلك بحسب نيته وإخلاصه ومتابعته ومقدار أثره
النافع وعاقبته الحسنى ، فقد يكون المجاهد أعظم أجرا لشدة نكايته بالعدو ، ولبسالته
وشدة بأسه ، مع حسن نيته ورغبته في إعلاء كلمة الله وتضحيته بماله ونفسه في سبيل
الله .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ ،
وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ) رواه الترمذي (2616)
وغيره ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " برقم (413).
وقد يكون العالم أعظم أجرا ، لتعليمه الناس العقيدة الصحيحة والعلم النافع
والعمل الصالح والذي يكون منه الجهاد ونشره السنة ورده على أهل البدعة .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ
الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ
شَيْئًا ) رواه مسلم (2674) .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (10471) .
والله أعلم .
تعليق