الحمد لله.
أولا :
يبدو أننا لم نعد في حاجة إلى أن ننبهك إلى خطأ ما فعلت ، من فتح باب المحادثة مع شاب أجنبي ؛ بل إننا نرى أن الخطأ كان قد بدأ منذ قبولك لإضافة شاب أجنبي عنك ، كصديق على حسابك ، فلسنا نفهم وجها شرعيا مقبولا لأن تضيف فتاة مسلمة ، شابا على حسابها الشخصي ، فلا هو شخصية عامة ، ولا من أهل العلم والدين ، ولا له شيء من تلك الاعتبارات التي قد تترخص المسلمة بها ، وتضيف رجلا أجنبيا ، مع أن هذا كله يشترط فيه أمن الفتنة ، ولا يسمح فيه بالمحادثات ، أو المراسلات ، إلا في أضيق نطاق ، مع اعتبار الشرط السابق : أمن الفتنة ، وعدم التعلق الشخصي .
ربما لم نعد في حاجة إلى تقرير ذلك ، وقد ذكرت عن الشاب كلامه السابق ، وهو متوجه عليك أنت أيضا : فليست هناك فتاة من بيئة ملتزمة ، وأسرة محترمة ، كأسرتك ، ترضى لنفسها ذلك ، أو تقبله على أسرتها .
لكننا فقط ننبه إلى أن الخطأ هنا : ليس في مخالفة عادات الأسر المحترمة ، وتقاليدها ، فهذا وإن كان أمرا مرفوضا ، إلا أنه أهون من المخالفة الشرعية ، لكن إن شعرت ، أنت وهذا الشاب أنكما قد وقعتما في مخالفة شرعية ؛ يعني : في معصية للرحمن جل جلاله ، حينما فتحتما ذلك الباب على أنفسكما ، صغيرة كانت تلك المعصية أو كبيرة ، فالواجب عليكما : التوبة إلى الله عز وجل ، وإغلاق هذا الباب مطلقا ، ولو احتاج ذلك إلى الانقطاع عن مواقع التواصل ، وشبكات النت برمتها ، فافعلي ذلك أنت على الأقل ؛ فصيانة الدين مقدمة على كل شيء ، وماذا ربح من خسر دينه ، أو خسر شيئا منه ؟! لا شيء !!
ثم ماذا فاتك من أمر الدنيا ، وحظوظ النفس وهواها ، إذا حافظت على أمر دينك ؟!
لا شيء !!
ثانيا :
ينبغي أن نفرق هنا بين أمرين مهمين : الأول : ما يسمح به الشرع ، والثاني : ما يطلبه الشرع ويحفظه ويرعاه .
أما ما يسمح به الشرع هاهنا : فهو يسمح للرجل أن يتزوج امرأة ، لأنها : جميلة ، وليس ذلك حراما ، ولا مكروها ، ولا معيبا . ويسمح له كذلك أن يتزوجها لأنها حسيبة ، أو نسيبة ، أو ذات منصب ، أو مال ، أو شهادة .. أو نحو ذلك من مقاصد الناس في اختيار من يتزوجونهن .
لكنه نبه الناس إلى مراعاة الأمر الأعظم الذي يطلبه ، وهو : الدين ؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) .
فإذا نحن سئلنا هنا :
هل يسمح الدين بأن تتزوج المرأة رجلا ، بهذه الظروف التي مرت بنا ؟
فسنقول : نعم ؛ فليس اختلاف الجنسية ، وتباعد البلدان من موانع النكاح الشرعية ، ولا تحصيل ذلك من شروط صحة النكاح في شيء !!
لكن وراء ذلك كله نقول : إن الشرع لم يسمح للمرأة أن تزوج نفسها ، وإنما أمر أن يتولى عقدة النكاح وليها ، فهو أعرف بمصالح النكاح ، وأقدر منها على ضبط الأمور ، ومعرفة ما يصلح مما لا يصلح ، وأبعد عن الميل وراء العاطفة ، وبادي الرأي ، والنظر السريع .
وينظر جواب السؤال رقم 2127 .
ثالثا :
أما بخصوص مسألتك أنت ، وما طلبت منا ، أنت ووليك ، من إبداء الرأي والمشورة في ذلك ، فدعينا نصارحك أيتها الأخت الكريمة :
إن الذي يبدو لنا أن ثمة عجلة واضحة من قِبلك أنت أولا ، ثم من قبل والدك ، في النظر إلى أمر مهم كهذا ؛ فلا نظن أن ثلاثة الأيام التي تعرفت فيها على الشاب ، كانت فترة كافية لتكوين وجهة نظر متوازنة حوله ، حتى لو كان أمامكم ، ومعكم في مكان واحد ؛ فكيف والتعارف قد تم في ذلك العالم الافتراضي المجهول ؛ إن ذلك أبعد ما يكون عن التصور المتزن ، والرأي الهادئ الرزين .
إن ميلك تجاه هذا الشاب ، والعاطفة التي تجدينها نحوه : هي شيء طبيعي ؛ فماذا تريدين من فتاة شابة ، تحادث فتى شابا ؛ أتريدين أن تقشعر القلوب من التقوى والخشية والوجل ؟ إن الشعور الطبيعي جدا : هو ميل كل طرف إلى الآخر ، وهذا الميل هو المعبر عنه في لغة الشرع ، ولغة العقلاء أيضا : أنه "الهوى" ، الهوى الذي يميل بصاحبه عن موازنة الأمور ، والنظر إليها من وجهها الصحيح ؛ إنه الهوى بكل ما يحمل من ظلال المعنى المذموم في ميزان الشرع !! ومثل هذا لا ينبغي ـ ألبتة ـ أن يكون أساسا للحكم الصحيح في قضية مهمة كالتي تسألين عنها .
إننا نصدقك ، ومن خلال التجارب الكثيرة التي سمعنا بها ، أو عرضت لنا ، فنقول لك : إن الزواج مع اختلاف الجنسيات ، والبيئات ، والعادات ، والتقاليد : هو مخاطرة غير مأمونة ، احتمالات عدم التوفيق والنجاح فيها : ليست قليلة ؛ بل إن نسبتها من الكثرة بمكان يدعو العاقل إلى أن يتوقف مليا ، ويتريث طويلا ، قبل أن يقدم عليها .
وهذا ، لو كان الطرفان يعيشان في بلد واحد ، كأن يجمعهما بلد اغتراب لهما ، أو كان أحدهما مغتربا في بلد الآخر .
فكيف إذا كان الحال بالصورة التي ذكرت لنا :
أنت من بلد ، والشاب الذي لم تقابليه بعد : من بلد آخر .
أنت تعيشين مع أسرتك في بلد ، وهو يعيش ويعمل في بلد آخر .
إن الأسرة التي تريدين بناءها مهددة بالشتات بين أربعة بلاد !!
ثم بلده : بالحال التي نعلم ونرى جميعا ، ولا يعلم إلا الله ، متى يمكن أن يكون بلده مكانا آمنا للعيش ؟
هل ستعيشون ، أنت وهو ، وأسرتكم ، في بلد اغتراب دائم ؟ وفي أي بلد ستكون هذه الغربة التي تتركين لأجلها أسرتك وأهلك ؟ هل سيبحث عن عمل في بلد غربتكم ؟ أم تنتقلين معه إلى بلد عمله واغترابه ؟ هل .. هل ..
إن أسرته التي تتحدثين عنها : ليس من المتوقع أن تكون قريبة منكم ..
إن عديدا من الأسئلة ، وكثيرا من المشكلات ، يواجه هذه الصورة الاستثنائية التي تتحدثين عنها ، وقد فكرنا مليا في مشكلتك، ولم نجد دافعا حقيقيا وقويا يدعو إلى هذه المغامرة ، غير المتوازنة!!
إن نصيحتنا لك : ربما كانت مؤلمة ، ربما كانت على غير ما تتوقعين ، أو تأملين ، لكن الدين النصيحة ، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه ..
إنك ما زلت صغيرة ، في مقتبل الطريق مع الزواج والأسرة ، فلا تتوقفي عند أول عارض ، وأقرب طارئ ، أمامه من الصعاب والعقبات ، ما رأينا ..
ليس حراما في ميزان الشرع أن تتزوجي من هذا الشاب المسلم ..
نعم ، إن أردت الحكم في صورة معادلة رياضية : حلال ، حرام ..
لكن ليس من العقل ، ولا الحكمة ، ولا النصيحة ـ فيما بدا لنا من الرأي : أن نقول لك ، هنيئا لك ، ومبارك عليك هذا الزواج ، ونحن نرى أمامه من العقبات ما نرى ، وقد مر بنا من التجارب ما يجعلنا نتريث طويلا ، ونتردد مرات ومرات قبل أن نسمح به ، فضلا عن أن نشجع عليه ، وننصح به .
فإن رأيت ـ أنت ووالدك ـ أن الرأي والمشورة : هو ما قلنا لك ؛ فلا تترددي في أن تقطعي كل حبال هذه العلاقة ، بل نحب لك أن تنقطعي زمنا مناسبا عن شبكات التواصل والتعارف ..
وإن تكن الأخرى ، فنحن اجتهدنا لك في الرأي والمشورة :( وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ) !!
ونسأل الله أن يلهمك رشدك ، ويعيذك من شر نفسك ، ويقدر لك الخير حيثما كان ، ويرزقك الرضا بما قسم لك .
وينظر للفائدة أجوبة الأسئلة رقم 82702 ورقم 176000 ورقم 130596 .
والله أعلم .
تعليق