الحمد لله.
أولا :
ينبغي أن يعلم قبل النظر في هذه الجزئيات : أن الأصل في العبادات هو المنع والحظر ؛ فلا يعبد الله إلا بما شرع في كتابه ، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .
وأن الأصل في العادات الإباحة ، فلا يمنع من فعل اعتاده الناس ، في الأمور العادية ، إلا بدليل من الشرع يمنع ذلك ، وما لم نجد هذا الدليل : فلا يمنع من ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَالْعَادَاتُ الْأَصْلُ فِيهَا الْعَفْوُ ؛ فَلَا يَحْظُرُ مِنْهَا إلَّا مَا حَرَّمَهُ وَإِلَّا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ) وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَرَعُوا مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ، وَحَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 17) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الفرق بين العادة والعبادة :
أن العبادة : ما أمر الله به ورسوله تقرباً إلى الله ، وابتغاءً لثوابه .
وأما العادة : فهي ما اعتاده الناس فيما بينهم من المطاعم والمشارب ، والمساكن والملابس ، والمراكب والمعاملات ، وما أشبهها .
وهناك فرق آخر : وهو أن العبادات : الأصل فيها المنع والتحريم ، حتى يقوم دليل على أنها من العبادات ، لقول الله تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله ) [الشورى:21] ، أما العادات : فالأصل فيها الحل ، إلا ما قام الدليل على منعه ، وعلى هذا فإذا اعتاد الناس شيئاً وقال لهم بعض الناس : هذا حرام ، فإنه يطالب بالدليل ، يقال : أين الدليل على أنه حرام ؟ وأما العبادات فإذا قيل للإنسان : هذه العبادة بدعة ، فقال : ليست ببدعة ، قلنا له : أين الدليل على أنها ليست ببدعة ؛ لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (72 / 2) .
ثانيا :
تقدم في إجابة السؤال رقم : (115403) الكلام على الصفير ، وذكر اختلاف العلماء في حكمه ، وأن الراجح كراهته ، وهذا في حق الرجال .
وأما في حق النساء فهو أشد كراهة ، ويتجه القول بتحريمه ، لأنه فعل لا يليق بالمرأة ، وفيه تشبه بالرجال ، بل بالسفهاء من الرجال ، ولا يعهد في المرأة المسلمة هذه الخصلة في حال من الأحوال ، فتنهى المسلمة عن هذا الفعل نهيا شديدا ، لا سيما إذا كان ذلك في ملأ وجمع ، ولو من النساء ؛ وأما ملأ الرجال : فلا يخفى ما في ذلك من الفحش والتفحش .
ثالثا :
قول القائل " الجلوس وتشبيك الساقين علامة على الغرور " : قول بلا دليل ، والأصل في العادات الإباحة ، وهذه الجلسة من العادات التي لم يرد نهي عنها فتبقى على الأصل .
وقد روى البخاري (6287) ، ومسلم (2100) عن عَبَّاد بْن تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ مُسْتَلْقِيًا وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى " .
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عدة آثار عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يستلقون ويجلسون مع وضع إحدى الرجلين على الأخرى ، منهم عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وابن مسعود ، وبلال ، وأسامة بن زيد ، وعكرمة ، وغيرهم .
ينظر : "المصنف" (5/227-228) .
وروى بسند صحيح (5/ 228) عَنِ الْحَكَمِ قَالَ : " سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنِ الرَّجُلِ يَجْلِسُ وَيَضَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى , فَقَالَ: " لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَرِهَتْهُ الْيَهُودُ ، قَالُوا : إِنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى يَوْمَ السَّبْتِ , فَجَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ " .
على أن الواجب أيضا : مراعاة عادات الناس وأعرافهم في مثل ذلك ، وتفاوتها من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ؛ ويتقى الإنسان ظن السوء ، وقالة السوء على نفسه ، قدر جهده وطاقته .
جاء في "مطالب أولي النهى" (1/ 351) للرحيباني رحمه الله :
" قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ ، مُرَاعَاةً لَهُمْ وَتَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ ، إلَّا فِي الْحَرَامِ إذَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِفِعْلِهِ ، أَوْ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ ، فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ ، رَضَوَا بِذَلِكَ أَوْ سَخِطُوا " انتهى .
وقال الدردير المالكي رحمه الله في " الشرح الصغير" (ص284) :
" الْمُرُوءَة هِيَ : كَمَالُ النَّفْسِ بِصَوْنِهَا عَمَّا يُوجِبُ ذَمَّهَا عُرْفًا وَلَوْ مُبَاحًا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ " انتهى .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" الضابط في المروءة : أن لا يفعل ما ينتقده الناس فيه ، لا من قول ولا من فعل " انتهى من "الشرح الممتع" (11 /108) .
تراجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (129182) .
رابعا :
القول بأن تحريك الساقين أو القدمين أثناء الجلوس ليس جيداً لأنه ينزع البركة من البيت : قول لا دليل عليه أيضا ، والأصل في ذلك الجواز على ما تقدم من التفصيل آنفا .
ومن قال بأن البركة تنزع من البيت بهذا الفعل فقد تقوّل على الشرع وجاء بما لا حجة له عليه .
خامسا :
أما بالنسبة للمرأة إذا جلست فإنها تحتشم وتنضم ، ولا تجلس جلسة - خاصة بحضرة الرجال - تعاب عليها ، وإن كان أصل الجلسة مباحا ، والحشمة في كل شيء من الوقار والحياء .
والله أعلم .
تعليق