الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

اشترط والدها على زوجها تأجيل الحمل لحين انتهاء دراستها فحملت فطلب والدها إسقاط الجنين فهل تطيعه ؟

200968

تاريخ النشر : 18-05-2013

المشاهدات : 12085

السؤال


أنا عمري 18 سنة ، متزوجة ، مشكلتي في أبي ، فقد كان معارضا فكرة الزواج عندما تقدم زوجي لخطبتي ، بحجة الدراسة ، وبعد الصلوات والدعاء وعدة محاولات : وافق أبي وتزوجنا، وكان شرط أبي للموافقة هو تأجيل الحمل 5 سنوات ، أي إلى ما بعد التخرج ، فوافقنا .

لم أستعمل موانع حمل ، فقط كنا نستخدم العزل ، لكن قدر الله وما شاء فعل فحملت . بدأت أمي تضغط على زوجي من أجل إسقاط الجنين ، لكنه لم يوافق ، وهذا الصباح علم أبي بالخبر ، فثار غاضبا !!

أبي الآن مصر كل الإصرار على إسقاط الجنين ، وخيرني بين الحمل وبين الدراسة ؛ لأنه هو الذي يدفع تكاليف التدريس ، لأن زوجي لا يزال طالبا ، أيضا ، وقال إنه سيتبرأ مني ويسخط علي إن حافظت على الحمل .

وقال لي زوجي : إنه لا يستطيع الوقوف أمام أبي ، ومواجهته ، لأنه متسلط ، ويمكن أن يؤذينا !! أنا الآن خائفة جدا ، لأنني أريد الحفاظ على جنيني ، وما زاد خوفي هو غضب الله ، فأنا حسب علمي : إسقاط الجنين بعد أربعين يوما ، هو قتل للنفس .

أنا حائرة ، لا أدري ماذا علي فعله ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
لا شك أن تحصيل الولد والذرية ، وتكثير نسل المسلمين : هو من أعظم مقاصد النكاح :
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ ؛ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟
قَالَ : ( لَا !! ) ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَنَهَاهُ !! ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ :
( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ ) .
رواه أبو داود (2050) والنسائي (3227) ، وصححه الألباني .
قال العظيم آبادي في شرحه :
( تَزَوَّجُوا الْوَدُود ) : أَيْ الَّتِي تُحِبّ زَوْجهَا ( الْوَلُود ) : أَيْ الَّتِي تَكْثُر وِلَادَتهَا . وَقَيَّدَ بِهَذَيْنِ لِأَنَّ الْوَلُود إِذَا لَمْ تَكُنْ وَدُودًا لَمْ يَرْغَب الزَّوْج فِيهَا , وَالْوَدُود إِذَا لَمْ تَكُنْ وَلُودًا لَمْ يَحْصُل الْمَطْلُوب وَهُوَ تَكْثِير الْأُمَّة بِكَثْرَةِ التَّوَالُد ...
( فَإِنِّي مُكَاثِر بِكُمْ الْأُمَم ) : أَيْ مُفَاخِر بِسَبَبِكُمْ سَائِر الْأُمَم لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِي . " اهـ .
وينظر جواب السؤال : (13492) .
ثانيا :
إذا تبين أن تحصيل الولد هو من المقاصد الشرعية في النكاح ، بل هو من أعظم مقاصده ، فاشتراط ولي الزوجة على الزوج : ألا تنجب زوجته ، من غير عذر شرعي مقبول ، كمرض بها ، أو نحو ذلك : هو شرط باطل ، لا يحل له اشتراطه ابتداء ، وإذا تعنت واشترطه ، فلا يلزم الزوج أن يوفي به ، ولا عبرة به ، خاصة إذا لم يكن مذكورا في أصل عقد النكاح .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ، وَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) .
رواه البخاري (2727) ومسلم (1504) من حديث عائشة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَالشُّرُوطُ إنْ وَافَقَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ صَحِيحَةً . وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ بَاطِلَةً . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ...
وَهَذَا الْكَلَامُ : حُكْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ ، وَالْإِجَارَةِ ، وَالْوَقْفِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ " . انتهى من "إقامة الدليل على بطلان التحليل" (354) .
وينظر جواب السؤال رقم : (94454) ، ورقم : (97478) .
ثالثا :
إذا قدر أنه يمكن الالتزام بهذا الشرط ، لسبب ما ، أو عذر ، أو رغب الزوجان في تأخير الإنجاب ، لعذر خاص بهما ، فإن ذلك إنما يكون قبل حصول الحمل فعليا ، أو قبل أن تنفخ فيه الروح على أقصى تقدير ممكن في التساهل ، وأما بعد نفخ الروح ، فلا يحل لهما ـ قطعا ـ أن يقدما على الإجهاض ، لأجل ذلك الشرط الباطل .
وكذلك : لو كان الإسقاط بعد الأربعين يوما ، ولو قبل نفخ الروح ، إلا لمبرر شرعي لذلك .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/450) : " الأصل في حمل المرأة أنه لا يجوز إسقاطه في جميع مراحله إلا لمبرر شرعي ، فإن كان الحمل لا يزال نطفة وهو ما له أربعون يوماً فأقل ، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر يتوقع حصوله على الأم جاز إسقاطه في هذه الحالة ، ولا يدخل في ذلك الخشية من المشقة في القيام بتربية الأولاد أو عدم القدرة على تكاليفهم أو تربيتهم أو الاكتفاء بعدد معين من الأولاد ونحو ذلك من المبررات الغير شرعية .
أما إن زاد الحمل عن أربعين يوماً حرم إسقاطه ، لأنه بعد الأربعين يوماً يكون علقة وهو بداية خلق الإنسان ، فلا يجوز إسقاطه بعد بلوغه هذه المرحلة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن في استمرار الحمل خطراً على حياة أمه ، وأنه يخشى عليها من الهلاك فيما لو استمر الحمل " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (82334) ، ورقم : (171943) .
رابعا :
الواجب على زوجك أن يقوم هو بواجبه تجاهك ، ويتحمل نفقات زوجته اللازمة لها ، من مطعم ، ومسكن ، وغير ذلك من النفقات اللازمة لمثلها .
وليس من المناسب ، لا لك ولا له : أن تظلا عالة على غيركم ، ولو كان هذا الغير هو والدك أنت ، فقد رأيتِ كيف يرغب في التحكم بكم لأجل نفقته !!
وعلى أية حال :
فليس هناك مسوغ شرعي لتسلط والدك ، وإلحاحه على تسقيط الجنين ؛ فلا تطيعيه في ذلك ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وغضبه في مثل هذه الحال عليك : إنما وباله على نفسه ، لا عليك ، فعصيان أمره في ذلك ليس من عقوقه في شيء ، بل هو من تقديم طاعة الله على طاعته في معصية أمر الله ، فلا يقلقك هذا الأمر ؛ فقط أطيعي ربك في ذلك الأمر ، وفي غيره ، وأحسني لزوجك .
وينظر جواب السؤال رقم : (166428) .
وحينئذ ؛ فإذا قدر أنه حصل ما هدد به ، أو ما يتوقع منه : من قطع نفقته عليك لأجل الجنين ؛ فليجتهد الزوج ، مع أسرته في تعويض تلك النفقة ، ولو بعمل إضافي ؛ فإن لم يمكن ذلك ، فنحن نرى ترجيح جانب الحياة الزوجية ، والمحافظة على بيتك وأسرتك ، فضلا عن الجنين الذي في بطنك الذي يحرم عليك العدوان عليه ، ولو أدى ذلك إلى ترك الدراسة بالكلية ، فما الذي سيحدث من جراء ذلك ؟
لا شيء !!
وما الثمرة الكبيرة العظيمة التي تحمل امرأة متزوجة على الاستمرار في دراسة مختلطة ، كما هو المتوقع ، وفيها ما فيها ، ثم ترتكب لأجلها إسقاط جنينها ؟!
وأما تهديده بالسخط ونحو ذلك ، فلا عبرة به ، لأن رضا الرحمن مقدم على رضاه ، ومن طلب رضا الله بسخط الناس : رضي الله عنه ، وأرضى عنه الناس .
والمأمول من كرم الله وفضله ، أن يقيكم شره وأذاه ، وأن يعود سخطه عليكم رضا بعد ذلك .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب