الحمد لله.
وحدهبداية ، نشكر لك ثقتك بالموقع وثناءك عليه ، نسأل الله أن ينفع به .
لا شك أن للأم حقوقا قد فصلها الشرع الحكيم ، بل جعل برها والإحسان إليها سابقا على الجهاد ، الذي هو ذروة سنان الدين .
وينظر جواب السؤال رقم : (5512) .
ولا شك أن خبرة الأمهات ، ونظرتهن الثاقبة ، في أمور حياتية مثل الزواج ينبغي ألا يستهان بها ، فتجربتهن وقربهن من محيط النساء ، يجعل رؤيتهن المتفحصة – إذا صاحبها تقوى الله والبعد عن الغيرة والهوى - أعمق ، وأقرب إلى الصواب ، من رؤية الأبناء ، أو الرجال بصفة عامة .
ولا ريب أن الجلسة الأولى إلى المخطوبة وأهلها : تترك انطباعا خاصا عند الأمهات العاقلات الرصينات : فإما ارتياح وقبول ، وإما نفور لا يغيره اعتذار ، ولا وعد بالإصلاح .
إن عين الأم، أو الخبير بأحوال النساء في مثل ذلك : سوف تبحث عن عقل البنت ، وما يظهر من أخلاقها وتصرفاتها ؛ وسوف تختبر طبعها : من حيث الخفة والنزق والطيش ؛ أو عكس ذلك من : الحياء ، والرصانة ، والرزانة .
أضف إلى ذلك أن كلا الطرفين يتعمد الظهور في مثل هذه المواقف ، بشكل لائق ، يعرض فيه على الطرف الآخر : أجمل ما فيه ، وأنفس ما عنده ؛ فكيف يكون الحال ، وقد تفاجأت الوالدة بمثل ما ذكرت من التصرفات : جرأة أكثر من المحتمل في مثل ذلك الموقف ، ضعف في عامل الحياء الذي يمسكها ، ويحفظ تصرفاتها .
قديما في بعض المجتمعات ، كانت هناك أسئلة معينة تطرح على المخطوبة ، وكان هناك حرص على مراقبتها أثناء أكلها وجلستها وكيفية حديثها ؛ كان ذلك كله عاملا مشجعا ، أو منفرا منها ، ولو كان انطباعا أوليا ، فمثل هذا الانطباع يصعب التغلب عليه بعد ذلك .
ربما تعذر البنت فيما ذكرت من سلوكها وتصرفاتها ، لأنها معتادة على ذلك في عائلتها ، ربما تكون العائلة فيها انفتاح زائد ، لكن ذلك – من خلال عرضكم للمشكلة – يوضح أن هناك تباينا في نمط السلوك بين العائلتين ، فما لم تمانع منه عائلة الفتاة ، وباركه زوج أختها ، بل ودعاك إليه بالتحايل : تراه أنت وأمك مخالفا لما يجب أن يكون شرعا ، وعرفا ، بل وأغضب أمك ، وجعلها تأخذ موقفا من المخطوبة .
وحينئذ ، إذا قدرنا أن الفتاة معذورة في شخصها ، فسوف يبقى هذا التباين في الطباع والعادات بين العائلتين ، مما يصعب تجاوزه في مستقبل العيش بينكما .
إننا نرى ، بقليل من التأمل ، إن الإقدام على مثل هذه الخطبة : سوف يجر عليك خيطا من المشكلات ، ويفتح بابا من التنازع بين الطرفين القريبين منك ، كل القرب ، وسيبقى انطباع الأم الأول عاملا للصد المتبادل بينهما.
إن الأم ليست معصومة من الخطأ ، لكنها سوف تبقى أمك ، ولن تستطيع التضحية بها ، أو برضاها ، أو بشيء من مشاعرها ؛ فما الذي يجبرك على الدخول في ثنائية مبكرة ، كهذه ؟!
وما الذي يحملك على أن تستكره أمك على قبول وضع لا ترضاه ؟!
لو كانت هذه الفتاة زوجة ، ولك منها الولد : كنا سنعاني صعوبة في رسم طريق التوفيق بين حقين ، وواجبين ؛ فكيف والأمر : مجرد خطبة ، في أول أمرها ؟!
فهبها صالحة ، سالمة من كل عيب ؛ أفلا يستحق رضا أمك أن تتركها لترضى ، ولم يضيق الله عليك ؛ والنساء سواها كثير ؟!
وفي الأخير لا يسعنا إلا الدعاء لك أن يختار الله لك ما فيه خيرك .
والله أعلم .
تعليق