الحمد لله.
أولا :
شرع الله النكاح لحكم عديدة منها الطمأنينة والاستقرار النفسي بين الزوجين ليقوما بدورهما في تنشئة أولادهما في ظل السعادة , فقد قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/ 21، وقد شرع الله جملة من الحقوق والواجبات لكلا الزوجين لتكون سياجا لحماية هذه العلاقة التي سماها الله ميثاقا غليظا , فقال سبحانه بشأن هذه الحقوق : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة /128.
ثانيا:
لا يجوز للرجل أن يهجر زوجته هذه المدة ، إلا أن تكون ناشزا ، أي عاصية له لا تقوم بحقه ، فيباح هجرها حينئذ حتى تتوب ، لقوله تعالى : ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
وإذا كان هجر الزوج لمسوغ شرعي لم يجز لها هي هجره لأن ذلك زيادة في النشوز المحرم شرعاً ، وأما إذا هجرها لغير مسوغ شرعي فإن لها أن تجازيه بالمثل لعموم قوله تعالى: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) النحل /126، على أن لا تمنعه من حقه في الاستمتاع .
والنصيحة – أخانا الكريم – أن تسعى دائما للبعد عن كل ما يعكر صفو العلاقة بينكما , وأن تكظم غيظك , وأن تكون المبادر بما يصلح ما يفسد ما بينكما, فقد قال الله تعالى : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران /134، وقال صلى الله عليه وسلم في الوصية بالنساء : (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) .
رواه البخاري (3084) ، ومسلم (2671).
ثالثاً :
وينبغي أن يُعلم أن الله تعالى شرع هجر الرجل لامرأته من أجل إصلاحها، فإذا ثبت لديك أن هجرك لها لا يصلحها بل يأتي بنتيجة عكسية ، فعليك أن تكف عن الهجر، وتبحث عن وسيلة أخرى لإصلاحها، ومن أنفع ذلك : التفاهم معها بصراحة ، ومناقشتها في الأمور بنوع من الإنصاف والعدل والموضوعية ، ويجب عليك الرجوع إلى الحق إن ثبت أنك الظالم لها ، فذلك أحرى لاستمرار العلاقة بينكما ودوامها.
وإذا لم تفلح هذه الوسائل في علاج نشوز الزوجة : اختار الرجل حكما من أهله ، وتختار هي حكما من أهلها ، ليقفا على المشكلة ، ويحكما فيها ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) النساء/35 .
وأما مع عدم النشوز فلا يحل هذا الهجر لأمرين :
الأول : أنه يجب على الزوج أن يعف زوجته ، وأن يجامعها بقدر حاجتها ، وقُدرته .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر ، والشهرين ، لا يطؤها ، فهل عليه إثم أم لا ؟ وهل يطالب الزوج بذلك ؟ .
فأجاب : " يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف ، وهو من أوكد حقها عليه ، أعظم من إطعامها ، والوطء الواجب ، قيل : إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة ، وقيل : بقدَر حاجتها وقُدْرته ، كما يطعمها بقدَر حاجتها وقُدْرته ، وهذا أصح القولين " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 32 / 271 ) .
والثاني : أن من امتنع عن وطء امرأته - غير الناشز - أربعة أشهر ، كان في حكم المولي ، فيؤمر بالوطء أو بالطلاق ، فإن أبى الطلاق طلّق عليه القاضي .
قال علماء اللجنة الدائمة : " مَن هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر : فإن كان ذلك لنشوزها ، أي : لمعصيتها لزوجها فيما يجب عليها له من حقوقه الزوجية ، وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى ، وتذكيرها بما يجب عليها من حقوق لزوجها : فإنه يهجرها في المضجع ما شاء ؛ تأديبا لها حتى تؤدي حقوق زوجها عن رضا منها ، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ، فلم يدخل عليهن شهراً ، أما في الكلام : فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام ؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ( ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ) أخرجه الإمام البخاري ، ومسلم في صحيحيهما ، وأحمد في مسنده .
أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر ، إضراراً بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها : فإنه كمُولٍ ، وإن لم يحلف بذلك ، تُضرب له مدة الإيلاء ، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في القبل مع القدرة على الجماع ، إن لم تكن في حيض أو نفاس : فإنه يؤمر بالطلاق ، فإن أبى الرجوع لزوجته ، وأبى الطلاق : طلَّق عليه القاضي ، أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة -1 " برقم (20443) .
وبهذا الجواب تدرك أن ترك هجر الزوجة أو ترك التحدث معها فترة طويلة لا يعتبر طلاقاً ، وانظر للفائدة جواب السؤال رقم : ( 11681 ) .
ونسأل الله لكما التوفيق
والهداية إلى كل خير.
والله أعلم .
تعليق