الحمد لله.
إن من نعم هذا الدين التي لا تحصى ولا تعد ، أنه حدد لنا الحقوق وقيد لنا الواجبات ، ونظم لنا العلاقات حتى نكون على بينة في كل خطوة وفي كل تعامل .
ومن رحمة الله بنا أن لم يتركنا هملا ، بل جعل لنا شريعة سمحاء تتناسب وطبيعتنا البشرية ، وتتلاءم واحتياجات كل واحد منا ، أبا كان أو أما أو زوجا أو أخا أو ابنا أو جارا ... فرتبت لنا الأولويات ، وأعطت لكل ذي حق حقه ، ويبقى علينا فقط أن نفهم هذه الأولويات ، وأن نعلم ترتيبها حتى لا نظلم ولا نقصر ، فجعل للأم حقا معروفا ، هو أولى حقوق العباد : بعضهم على بعض :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ، قَالَ : ( أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ) رواه مسلم ( 4622 ) .
وينظر : ما للأم من حقوق ، وما عليها من واجبات في جواب السؤال رقم : (5053).
وجعل على الابنة الأنثى المتزوجة حقا لأمها لكن بعد استيفاء حق زوجها ؛ إذ حقه مقدم على كل الحقوق ، فهو جنتها أو نارها .
وللاستزادة ، ينظر جواب السؤال رقم :(110845) .
والعاقلة الموفقة من أُلهمت الجمع بين رضا زوجها ، ورضا أمها ، من غير إضرار بأحدهما. وهذا لا يعني أن الحياة ستخلو حينها من المشاكل ، فالمشاكل سنة الحياة ، والطفيف منها ملح لها ، لكن يبقى كيف نتعامل مع هذه المشكلات بشكل طبيعي ونتقبلها بنفس مطمئنة واثقة .
هو زوجك ، وغير مقصر معك وتشهدين له بالتزامه ، وفقكما الله وجمع بينكما دوما فيما يحبه ويرضاه ، وكل ما يقال عنه –حسب ما أوردت- لا يعدو أن يكون وشاية .
وهي أمك ، قد سهرت الليالي لأجلك ، وكابدت لأجل أن تراك يوما عروسا ، وضحت بعمرها وأفنت زهرة شبابها لأجل تربيتك ، وهي لا تنتظر منك سوى برها وخفض الجناح لها ومراعاة مشاعرها ، لكنها تغتاظ من بعض تصرفات زوجك ، وحينما تخبرك بذلك ، تسارعين لنفي التهمة على زوجك ، كما يمليه عليك ضميرك ورؤيتك للأشياء ، وتستميتين في الدفاع عنه ، وهذا يؤدي إلى إحساس أمك بأنه قد سلبك منها ، وبأنك تقدمينه عليها ، وبأنها لم يعد مرغوبا فيها فقد أتى من يملأ عليك كل حياتك ، فتغضب منك وتحرض عليك إخوتك .
وقد أحسنتْ صنعا إذ لم تواجهي زوجك بما يغيظها منه ، فالمواجهة بين الحماة وزوج ابنتها يهدم سور الاحترام بينهما ، وتكون الزوجة أول من تصطلي بنار ذلك .
ونعلم قدر معاناتك في تحمل هذا الدور ، والعمل على عدم وقوع المواجهة بينهما ، لكن بعض الشر أهون من بعض .
أيتها الفاضلة ، كانت هذه إعادة تفكيك مشكلتك ، وهي بحول الله بسيطة مادام كل من أمك وزوجك ملتزمين ، لكنها تحتاج منك إلى بعض الذكاء والحنكة في التعامل معها ، ولعل فيما يأتي من نقاط بعض من الرؤى لتجاوز هذا الأمر ، أو على الأقل للتقليل من حدته:
1- الآباء في هذه الفترة من العمر بعد أن يتزوج أبناؤهم الذين كانوا يملؤون عليهم حياتهم ، تنتابهم مشاعر متقلبة وإحساس بالوحدة إثر استقلاليتهم عليهم ، فيفتعلون أحيانا بعض المشاكل فقط لاسترعاء اهتمام أبنائهم ، ولتذكيرهم بأنهم العنصر المهم في الحياة ونقطة مركز الدائرة ، يذكرونهم بأهميتهم وبحقهم الذين يرون أنه قد جاء من يسلبهم إياه ، حاولي أن تتفهمي نفسانية أمك وأن تعذري إحساسها ، واعملي على أن تشعريها بأهميتها في حياتك ، وذلك باستشارتها في بعض شؤونك التي لا علاقة لها بحياتك الخاصة مع زوجك ، كأن تستشيريها في بعض مشترياتك أو في علاقاتك مع صديقاتك أو غيرها ، وابتعدي ما أمكنك عن الحديث عن زوجك وعن مدحه أمامها حتى لا تشعلي فتيل غيرتها .
2- من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الأبناء مع الوالدين ،أن يلزموهم بعد أن يشبّوا وينضجوا ، بطريقة تفكيرهم ورؤيتهم للأشياء ، وتحليلهم وحلهم للمشاكل ، وينسون أن رؤيتهم تبقى أبوية رغم كل شيء ، تتملكها العاطفة والإحساس بفارق السن والحنكة والتجربة في الحياة ، لا تلزمي أمك بنظرتك ، ولا تشعريها بأنك تفهمين أفضل منها ، وبأن تحليلك لما تقوله لك عن زوجك هو الصائب ، حاولي أن تمتصي غضبها منه ، بإخبارها بأنه بشر وبأنه قد يخطئ وبأنه غير معصوم من الزلل .
3- من الخطأ أيضا التعامل معهم وهم في هذه السن بمبدأ الند والسواسية ، أو بمبدأ (الخطأ : خطأ ) فهم يعتبرون هذا تعاليا عليهم ، وإهدارا لأبوتهم ؛ فلا تجهري في وجهها بأنها مخطئة ، ولو كانت كذلك ، فلا أثقل على قلب الوالدين من ابن يتعالى عليهم ، ويذكرهم بأنه يفهم أفضل منهم ، وبأن خطأهم لن يجعله يتجاوز عنهم .
4- إن من الذكاء الاجتماعي والفطنة في التعامل مع من حولنا ، أن نكسب ودهم وأن نمتص غضبهم ، فما بالك والغاضبة أمك ، اعملي على إشعارها بأهميتها في حياتك – كما قلنا سابقا- وذلك باستشارتها في بعض شؤونك فيما هو بعيد عن حياتك الخاصة مع زوجك .
وانظري جواب السؤال : (96665) في طريقة علاج تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة .
5- أمك غير ملزمة بالاعتذار لك فلا تنتظري ذلك ، ولا تحوجيها إلى الاعتذار ، واستمري في تقبيل رأسها ، وفي مراضاتها واحتسبي الأجر عند الله .
6- اعملي جاهدة على تحسين علاقة أمك بزوجك ، فهي إن تقبلته أحبته ، وكفتك التبرم منه ، انصحيه أن يبادر هو إلى الإحسان إليها ، ولو بكلمة طيبة ، وإن قدر على هدية ، ولو يسيرة ، فهو خير وبر ؛ فإن الهدية تذهب غيظ القلب ، ووحر الصدر .
وفي نهاية الأمر ، حينما يتحتم عليك أن تختاري : فاختاري زوجك ، وقدمي رضاه على رضا أمك ، ورضا كل إنسان غيره ؛ ولو اضطرك ذلك إلى تقليل فرص الاحتكاك ، والتزاور ، والتعامل بين الطرفين ، فحافظي ـ أولا ـ وقبل كل شيء : على زوجك ، وبيتك.
يسر الله لك أمرك ، وأصلح لك شأنك .
والله أعلم .
تعليق