الحمد لله.
عام ونصف من الزواج ؛ وتظنين أنك قد استفرغت الجهد في البحث عن حل لمشاكلك الزوجية؟ إنها مدة غير كافية للخروج برؤية متكاملة ، والحكم على فشل زواجك وفشلك في التغيير، فما زالت خبراتك الحياتية قيد التطوير ، وما زلت بصدد تعلم : كيف تواجهين مشاكل الحياة الزوجية .
أيتها الفاضلة ، لو أن كل امرأة وقفت منهارة أمام المشاكل الزوجية ، ورفعت الراية البيضاء منذ البداية ، ووجدت الحل في الانفصال ، لكانت أكثر نساء العالم مطلقات ، فمن منهن قد تزوجت برجل يطابقها تماما : في كل الصفات ، وكل الحركات ، وكل السكنات ؟ ومَنْ مِنَ الأزواج لم يلاق قط عقبات خاصة في بداية الزواج ؟
السنتان الأوليان من عمر الحياة الزوجية مرحلة أولية للتعرف على طبائع الآخر ، ومحاولة متجددة لتفهم نفسانية من نعاشر ، وردود أفعاله ، وما يغضبه وما يفرحه ، وهي حجر الأساس في علاقة زوجية هانئة مبنية على الود والتفاهم ، أو على أقل تقدير : حياة محتملة بقدر معقول ، لا يتعذر على كل طرف فيها أن يؤدي رسالته في الحياة ، ويقوم بواجبه نحو صاحبه .
ولعل في حالتك - أختنا الكريمة - ما يسهل عليك ذلك ، فعاطفتك تجاه زوجك كفيلة بأن تجعلك تحاولين وتحاولين ، إلى حين الوصول لكسبه ، ولتجاوز العقبات .
وفيما يلي بعض النصائح بخصوص ما تم عرضه من استشكالات:
1- ما أوردته من عنف وردة فعل عنيفة تجاه حارس العمارة وغيره ، قد يكون من وجهة نظرك الأنثوية عنفا ، ومن وجهة نظره الرجولية : حزما وحسما في المواقف . ثم إن من لدغه الثعبان يوما يخشى دوما الاقتراب من الحبل ، فلعل تجربته في الحياة أملت عليه ذلك التعامل مع الحارس وغيره ، واعتاد على التعامل لمدة طويلة بمنطق العنف والجفاء ، قد يكون فعلا مخطئا ، ومن حقك أن تنبهيه ، لكن لا تنتظري –بين عشية وضحاها – أن يتغير ، ولا تفترضي أنه سيقتنع بكلامك ، خاصة إن لم تنتقي كلماتك ، وتتخيري ألفاظك لنصحه بشكل غير مباشر ، فنصيحة المرأة لزوجها يجب أن تتسم بالذكاء ، وإلا لفهم منها أنها تفرض عليه وصايتها ، فتأتي النتائج ضد المراد ، واحمدي الله أن هذا العنف والجفاء لا يطالك أنت ، بل هو لأناس غرباء عنكم .
2- شكه في أنك قد أفشيت أسرارك لصديقاتك : قد يكون مبنيا على موقف أسأت فيه التقدير ، فكنت المسؤولة بشكل غير مباشر في زرع الشك عنده تجاهك ، وقد يكون سبب ذلك طبيعته الشكاكة الموسوسة ، فاحرصي على الابتعاد عن كل ما يثير شكه ووسوسته ، وإن استفحل الأمر ، فانصحيه بطريقة لبقة : بأن يعرض نفسه على طبيب نفساني ، فقد يكون السبب في ذلك اضطراب عنده ، يحتاج إلى نوع من العلاج .
3- من خلال حديثك عن تعاملكما مع المشاكل ، يتبين أن هناك اختلافا في طباعكما ، وفي طريقتكما في رؤية الأشياء ، وهذا أمر وارد ، وكثير أيضا ، ومن الممكن احتماله ، والتعايش معه ؛ ما دام لم يصل للتنافر ؛ فأنت ـ عادة ـ ما ترين الأمور بنظارتك الأنثوية ، وهو يراها برجولته ، ربما تكونين أكثر عمقا في إدراكك للأمور ، وحكمك عليها ، ويكون هو أكثر سطحية . ربما تكون شخصيتك تحليلية انتقادية ، وهو شخصيته تجاوزية .
كل هذا من اختلاف الطباع ، ولا يفترض أن يكون هناك تطابق تام بينكما ، بل الاختلاف سنة كونية ، والعاقلة من تستوعب ذلك الاختلاف ، في حدود ما لا يمس جوهر الحياة الزوجية ، أو يتعذر معه معاشرة كل منكما لصاحبه بالمعروف ، كما أمر الله .
4- ربما كثرة تدقيقك وإحصائك هفواته تشعره بأنه محاصر ، ولو كنت على حق ، فيؤدي به ذلك إلى إسقاط أخطائه عليك ، فحاولي عدم التدقيق معه وعدم محاصرته بأخطائه ، فقليل من التجاوز والتلطف لا يضر ؛ بل ينفعكما كثيرا في استمرار المعاشرة والمعايشة بينكما .
5- توصيفك لما يدور ببيت أهله من مشاكل ، ومن أنه قد يكون ذلك السبب في عدم تقبله أن يكون لديه مشاكل معه : قد يكون صحيحا ، فاعملي أيتها الفاضلة على أن تبتعدي عن كل ما يحيي في نفسه تلك العقدة – إن كانت – ويؤججها، ولا ننصحك في حالتك هذه بتوسيط عائلته في فك نزاعكما ، بل اعملي على أن يبقى الأمر بينكما ، فليست هذه من المشاكل التي تستدعي تدخلا من ثالث ، بالإضافة إلى أنك تعلمين الآن سبب تركيزه على عدم إفشاء أسراركما ، وغضبه أشد الغضب من ذلك ، فاعملي على أن تبقى مشاكلك وأسرارك بينكما فقط ، والأيام كفيلة بجعله بتغير ، ومساعدتكما على تجاوز مثل هذه المنغصات .
أختنا الكريمة،
إن من السهل أن تقولي : إنك غير قادرة على الاستمرار ، وإنك تودين الانفصال عن زوجك ، فقط اجلسي مع نفسك واسأليها في حالة صفاء ، فستجيبك بأنك لن تكوني أحسن حالا في بعده ، وسوف يكون عيشك أشد قسوة ، وأكثر تنغيصا ، سوف تعيشين مرارة امرأة مطلقة ، ليس من اليسير أن تجد الخيارات المناسبة ، بل ربما تقبل بعد ذلك بما : يمشي الحال ، والسلام !!
وأما قسوة المعاناة المجتمعية : فاسألي عنها المطلقات ، والعوانس ، في مجتمعات نقص فيها قدر كبير من المودة والشفقة ، والأخلاق الكريمة ، والتكافل ، وتفهم طبيعة الأمور .
حبك له يستدعي تضحية وبذلا إلى حين تفهمك نفسياته وحاجاته ، فلا تيأسي من الحوار ، وساعديه على أن يفهمك ، ويفهم ما يزعجك منه ، وما يقف حاجزا دون إحساسك بالاستقرار والأمان .
هو أمر شاق بالتأكيد ، فالتعامل مع الطباع من أصعب المشكلات التي تواجه الأزواج ،لأننا نكون في انتظار تغير شيء ليس بأيدينا نحن ، إنما هو بيد الآخر ، ولا ضمان لنا في التغيير إلا أن يكون الآخر مستعدا راغبا في التغيير ، معترفا بالتقصير وبالخطأ ، وليس من السهل الوصول إلى إقناعه إلا بتوفيق من الله ومدده ، لكن لا شيء مستحيل مع الإصرار وتكرار المحاولة بعد التوكل على الله والاستعانة به تعالى ، فاستهدي بربك ، وأكثري من الاستغفار والأذكار، واستعيني به سبحانه ، وألحي عليه في سجودك أن ييسر لك زوجك وأن يقر به عينك وأن يجمع بينكما فيما يحبه ويرضاه .
إننا نقول لك : إن قرار الانفصال : هو أمر سابق لأوانه كثيرا ، ومن الممكن تجاوزه ، بشي من الصبر ، والمحاولة .
وانظري للفائدة جواب السؤال رقم : (174828) ، ورقم : (4143) .
والله أعلم .
تعليق