الحمد لله.
ما دام هذا الرجل المسلم قد مات ولم يصل عليه , فالواجب أن يصلى عليه الآن , إما بالذهاب إلى قبره وهذا خاص بالرجال ، فيذهب إلى قبره رجل أو أكثر ويصلي عليه صلاة الجنازة ، وإما بالصلاة عليه صلاة الغائب _ وهذا يشترك فيه الرجال والنساء _ والصلاة على الغائب يشترط لها أن يكون الميت خارج البلد ، فإذا كان خارج البلد صلوا عليه صلاة الغائب ، في المصلى أو المسجد أو البيت ، يرصون الصفوف كأن الجنازة بين أيديهم .
وذلك لأن الصلاة على الميت فرض , ومما يدل على ذلك ما ثبت في "صحيح البخاري" (2176) و"صحيح مسلم" (1619) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدَّين فيسأل : " هل ترك لدَّينه من قضاء ؟ " . فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه ، وإلا قال : " صلوا على صاحبكم " . فلما فتح الله عليه الفتوح ، قال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته " .
ولكن هي من فروض الكفاية , وهي التي إذا قام بها من يكفي سقطت عن بقية المسلمين .
وقد ثبت عند البخاري (1337) ومسلم (956) من حديث أبي هريرة أن أسودَ _ رجلا أو امرأة _ كان يقم المسجد , فمات , ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته , فذكره ذات يوم فقال : " ما فعل ذلك الإنسان ؟ " . قالوا : مات يا رسول الله . قال : " أفلا آذنتموني ؟ " . فقالوا : إنه كان كذا وكذا _ قصته _ قال : فحقروا شأنه . قال : " فدلوني على قبره " . فأتى قبره فصلى عليه .
فدل هذا على جواز الصلاة على الميت بعد دفنه .
وثبت عند البخاري (1333) ومسلم (951) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه , وخرج بهم إلى المصلى , فصف بهم , وكبر عليه أربع تكبيرات .
فدل هذا الحديث على جواز الصلاة على الغائب , وخصه بعض العلماء بمن لم يصل عليه , وخصه آخرون بأهل العلم والفضل .
ومجموع النصوص السابقة يفيد ما سبق في أول الجواب , وقد نص أهل العلم على أن الميت إذا دفن ولم يصل عليه صلي عليه بعد الدفن , قال الشيخ ابن عثيمين : فإن كان لم يصل عليه صلينا عليه ولو بعد سنين . الشرح الممتع 5 / 440 .
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي :
توفي لي طفل عمره ستة أشهر ، وذهبت به إلى المقبرة ودفتنه فيها دون أن أصلي عليه سهواً مني ، علماً بأني لا أعرف جهة القبر الذي دفنت فيه الطفل ، فهل هناك صدقة تجزيء عن الصلاة أو أي عمل آخر يجزيء عن الصلاة عليه ؟
فأجابت اللجنة :
ليس هناك عمل آخر يجزيء عن صلاة الجنازة على الميت طفلاً أو كبيراً ، لا الصدقة ولا غيرها من أفعال البر ، وعليك أن تذهب إلى المقبرة التي دفتنه في قبر منها ، وتجعل المقبرة بينك وبين القبلة وتصلي صلاة الجنازة على هذا الطفل متطهراً مستكملاً لباقي شروط الصلاة ، ويكفيك ذلك حيث إنك لا تعرف قبر الطفل بعينه ، قال الله تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، وقال : ( فاتقوا الله ما ستطعتم ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ) والله الموفق
فتاوى إسلامية 1 / 27
والله تعالى أعلم .
وانظر : "الإنصاف" للمرداوي : (2/471) ، "منح الشفا الشافيات" للبهوتي (1/171) .
تعليق