الحمد لله.
أولا :
الوكيرة طعام سرور وشكران ، يتخذه الإنسان عند فراغه من البناء ، ويدعو إليه الناس ، وقد استحبها كثير من الفقهاء ، وليس فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (45/ 115-118) .
" الْوَكِيرَةُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْوَكْرِ، وَهُوَ عُشُّ الطَّائِرِ أَيْنَ كَانَ ، فِي جَبَلٍ أَوْ شَجَرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ .
وَالْوَكْرَةُ وَالْوَكَرَةُ وَالْوَكِيرَةُ : الطَّعَامُ يَتَّخِذُهُ الشَّخْصُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ بُنْيَانٍ فَيَدْعُو إِلَيْهِ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ : هُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَّخَذُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ بِنَاءِ الدُّورِ فَيُدْعَى إِلَيْهِ .
واخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ فِعْل الْوَكِيرَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا :
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ : الْوَكِيرَةُ ـ كَسَائِرِ الْوَلاَئِمِ غَيْرَ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ ـ مُسْتَحَبَّةٌ ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ، وَلاَ تَتَأَكَّدُ تَأَكُّدَ وَلِيمَةِ النِّكَاحِ .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ : فِعْل الدَّعَوَاتِ ، لِغَيْرِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ : مُبَاحٌ، فَلاَ يُكْرَهُ وَلاَ يُسْتَحَبُّ.
واخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي
حُكْمِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ لِلْوَكِيرَةِ :
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ لِلْوَكِيرَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَهِيَ سُنَّةٌ
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَمُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى وُجُوبِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى
الْوَكِيرَةِ وَسَائِرِ الْوَلاَئِمِ ، غَيْرَ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّ حُضُورَ الدَّعْوَةِ لِلْوَكِيرَةِ
مَكْرُوهٌ ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُمْ أَنَّ حُضُورَ الدَّعْوَةِ لِلْوَكِيرَةِ
مُبَاحٌ .
كما ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ
الْوَجْهَيْنِ ، وَالْحَنَابِلَةُ : إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ
طَعَامَ الْوَكِيرَةِ ، وَقَدْ دُعِيَ إِلَيْهِ : أَكْلُهُ مِنْهُ ، إِنْ كَانَ
غَيْرَ صَائِمٍ " انتهى باختصار .
ثانيا :
الوكيرة : طعام ، وصنيعة تصنع للناس .
قال المرداوي رحمه الله في " الإنصاف " : " الْأَطْعِمَةُ الَّتِي يُدْعَى إلَيْهَا
النَّاسُ عَشَرَةٌ : الْأَوَّلُ: الْوَلِيمَةُ ، وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ ...
الْخَامِسُ : الْوَكِيرَةُ، لِدَعْوَةِ الْبِنَاءِ..." .
انتهى من "الإنصاف" (8/316) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" الْأَطْعِمَة الْمُعْتَادَة الَّتِي تجْرِي مجْرى الشكران كلهَا سَبِيلهَا
الطَّبْخ ، وَلها أَسمَاء مُتعَدِّدَة : 1 _ فالقرى طَعَام الضيفان 2 _ والمأدبة
طَعَام الدعْوَة 3 _ والتحفة طَعَام الزائر 4 _ والوليمة طَعَام الْعرس 5 _ والخرس
طَعَام الْولادَة 6 _ والعقيقة الذّبْح عَنهُ يَوْم حلق رَأسه فِي السَّابِع 7 _
والغديرة طَعَام الْخِتَان 8 _ والوضيمة طَعَام المأتم 9 _ والنقيعة طَعَام القادم
من سَفَره 10 _ والوكيرة طَعَام الْفَرَاغ من الْبناء .
فَكَانَ الْإِطْعَام عِنْد هَذِه الْأَشْيَاء أحسن من تَفْرِيق اللَّحْم " .
انتهى من " تحفة المودود " (ص 76) .
ثالثا :
تجوز الوكيرة ، وغيرها من صنائع الطعام ، باللحم وبغيره مما تيسر له ، ولا ينبغي أن
يشق على نفسه فيه ، وإن كان طبخ اللحم أفضل من غيره عند القدرة عليه .
روى البخاري (4213) أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال : " أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ ، وَالمَدِينَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُبْنَى
عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ ، وَمَا كَانَ
فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلاَلًا
بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ ، فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ
" .
فإذا جازت وليمة العرس بغير اللحم ، وهي آكد الولائم ، فلأن يجوز غيرها من صنائع
الطعام ، بغير اللحم : أولى .
رابعا :
وأما وقت الوكيرة : فالأمر فيه واسع ، إلا أن العادة جرت بذلك بعد الفراغ من البناء
والانتقال إليه .
وقال ابن دريد رحمه الله في " الجمهرة " (2/ 800) :
" التوكير: أَن يدعوَ الناسَ إِلَى طَعَام يتّخذه ، إِذا فرغ من بِنَاء بَيته أَو
دَاره " .
وقال الغزولي رحمه الله في "مطالع البدور" (ص 161) :
" الوكيرة طعام البناء ، كان الرجل إذا فرغ من بنائه يطعم أصحابه " انتهى .
وقال علماء اللجنة :
" إن كان القصد من الذبح إكرام الجيران الجدد ، والتعرف عليهم ، وشكر الله على ما
أنعم به من السكن الجديد ، وإكرام الأقارب والأصدقاء بهذه المناسبة ، وتعريفهم بهذا
المسكن : فهذا خير يُحمد عليه فاعله ، لكن ذلك إنما يكون عادة بعد نزول أهل البيت
فيه ، لا قبل " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 214 ) .
خامسا :
وأما حكمة هذه الصنائع من الطعام فهي إشاعة السرور بما تجدد من نعمة الله على
صاحبها .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (45/118) :
" الْحِكْمَةُ فِي الإْجَابَةِ إِلَى الدَّعْوَةِ لِلْوَكِيرَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُول
بِمَشْرُوعِيَّتِهَا إِدْخَال السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الدَّاعِي ، وَجَبْرُ
قَلْبِهِ ، وَتَطْيِيبُ خَاطِرِهِ .
وَيَنْبَغِي ـ كَمَا نَقَل الرَّمْلِيُّ عَنِ الْغَزَالِيِّ ـ أَنْ يَقْصِدَ
الْمَدْعُوُّ بِإِجَابَتِهِ الاِقْتِدَاءَ بِالسُّنَّةِ حَتَّى يُثَابَ ،
وَزِيَارَةَ أَخِيهِ وَإِكْرَامِهِ حَتَّى يَكُونَ مِنَ الْمُتَحَابِّينَ
الْمُتَزَاوِرِينَ فِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، أَوْ صِيَانَةَ نَفْسِهِ
عَنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ كِبْرٌ أَوِ احْتِقَارُ مُسْلِمٍ " انتهى .
راجع للاستزادة جواب السؤال رقم : (89705)
.
والله تعالى أعلم .
تعليق