الخميس 9 شوّال 1445 - 18 ابريل 2024
العربية

هل ثبت عن كعب الأحبار أنه قال : " ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة " ؟

205780

تاريخ النشر : 21-09-2014

المشاهدات : 11492

السؤال


انتشر في الآونة الأخيرة هذا الحديث المروي الذي قاله كعب الأحبار رضي الله يقول فيه : ما رأيت أحدًا لم يقرأ التوراة أعلم ما في التوراة من أبي هريرة . - فهل هذا الحديث صحيح ؟ وأعطني بارك الله فيك ورفع من مقدارك جميع العلماء الذين حكموا بصحة الحديث أو ضعفه من كتبهم وأرقام صفحاتهم فأنا احتاج لهذا كثيراً . هذه الرواية ذكرها الذهبي في سيرة أعلام النبلاء ، وقيل أيضا : إن الذهبي نفسه ضعفها ، ونقل ذلك في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر ، لكن لم أجده ، وهل لو صح أن ابن عساكر نقله : كيف نتأكد من صحة النقل ؟ أضف إلى ذلك انتقاصهم في أبي هريرة رضي الله عنه في حديث ساعة الجمعة ، وأنه يخالف قول الله في كتابه بأنه خلق الأرض والسماوات في ستة أيام ، فما قولكم في هذا ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
يجب على كل مسلم أن يحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويتولاهم ، ويبغض من يعاديهم ويشنؤهم ، ويتقرب إلى الله تعالى بذلك .
ولا يجوز لأحد أن يخوض بالباطل في أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وعلى الأخص أهل العلم منهم ، الذين حملوا العلم ونشروه وعلموه الناس ، ولولا أن منّ الله بهم على الناس لبقي الناس في عماية الجهل .
انظر جواب السؤال رقم : (118176) ، (159184).
ومن تطرق إليه الشك في عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، فقد تطرق إليه الشك في دين الله ، وفي كتاب الله ، وفي شرع الله ، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظر جواب السؤال رقم : (187689).
وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه وعاء للعلم حافظاً ، لم تشغله الدنيا عن طلب العلم ، ومصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحفظ ما يقوله ويشرعه .
وهو أكثر الصحابة رواية ، وهو عدل إمام ، حجة في كل ما يرويه وينقله ، رضي الله تعالى عنه .
انظر جواب السؤال رقم : (129606).
ثانيا :
روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (67/ 343) والطيالسي - كما في "سير أعلام النبلاء" (2/ 600) من طريق عمران القطان ، عن بكر بن عبد اللَّه ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، أنه لقي كعبا فجعل يحدثه ويسائله ، فقال كعب : " ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة ، أعلم بما في التوراة : من أبي هريرة " .
وهذا إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة ، عمران القطان : ضعيف الحديث .
قال ابن معين : ليس بالقوي . وقال مرة : ليس بشيء . وقال أبو داود : هو من أصحاب الحسن وما سمعت إلا خيرا . وقال مرة : ضعيف . وقال النسائي : ضعيف . وقال ابن عدي : هو ممن يكتب حديثه . وقال البخاري : صدوق يهم . وقال الدارقطني : كان كثير المخالفة والوهم .
"تهذيب التهذيب" (8/ 131-132)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله :
" عمران القطان ضعيف ، ولا يتحقق سماعه من بكر " انتهى من "الأنوار الكاشفة" (ص 180).
وضعف هذا الأثر أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله في تعليقه على "السير" (2/600) وأعله بعمران هذا .
وعلى فرض ثبوته فيكون معناه : أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يروي لكعب الأحبار من قصص بني إسرائيل وأخبارهم وأحوالهم : ما يعلمه من كتاب الله تعالى ، وما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيوافق ذلك ما عند كعب من العلم الصحيح الذي أخذه عن التوراة ، فيقول لذلك : " ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة ، أعلم بما في التوراة من أبي هريرة " .
قال الشيخ المعلمي :
" وفي القرآن والسنة قصص كثيرة مذكورة في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب الآن ، فإذا تتبعها أبو هريرة ، وصار يذكرها لكعب : كان ذلك كافياً ؛ لأن يقول كعب تلك الكلمة ، ففيم التهويل الفارغ ؟ " انتهى من "الأنوار الكاشفة" (ص 180).
وأيضا : فإن قوله " لم يقرأ التوراة " دليل على أن هريرة رضي الله عنه ليس شغوفا بكتب أهل الكتاب وعلومهم ، وإلا لتعلم كتابهم ونقل عنه للناس ، ولكنه كان مشغولا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان فيه من الحافظين الصادقين .
ثالثا :
روى مسلم ( 2789 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ) .
وهذا الحديث صححه الإمام مسلم وغيره ، وأعله غير واحد من أهل العلم ، وجعله البخاري وغيره من كلام كعب الأحبار ، وأن أبا هريرة سمعه منه ، فاشتبه على بعض الرواة ، فجعله مرفوعا .
وعلى القول بأن أبا هريرة إنما سمعه من كعب ، فلا يعدو أن يكون شيئا رواه عنه ؛ لأن كعبا كان عنده علم من الكتاب ، وكان حبرا حافظا ، فترخص أبو هريرة رضي الله عنه وروى عنه ذلك ، كما ترخص غيره فروى عن كعب أشياء ؛ فما وجه الطعن بذلك على أبي هريرة رضي الله عنه ، إذا كان الخطأ فيه من غيره من الرواة .
وأما على قول من صحح الحديث ، كما هو مذهب الإمام مسلم ومن وافقه من أئمة الحديث ، قديما وحديثا ، فقد سقط هذا المطعن من أصله ، ولم يبق له وجه .
قال ابن كثير رحمه الله :
" لَمَّا أَسْلَمَ كَعْب الْأَحْبَار فِي الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ ، جَعَلَ يُحَدِّثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ كتبه قديما ، فَرُبَّمَا اسْتَمَعَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَتَرَخَّصَ النَّاسُ فِي اسْتِمَاعِ مَا عِنْدَهُ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 28).
أما خلق آدم عليه السلام : فقد تقدم ذكر الخلاف فيه ، والكلام على حديث أبي هريرة المتقدم ، وتوجيهه على فرض صحته ؛ فانظر جواب السؤال رقم : (145806)
وروى أبو داود (1046) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُهْبِطَ ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ مَاتَ ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي ، يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا ) ، قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ، فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، قَالَ : فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ، فَقَالَ : صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَع كَعْبٍ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَأَخْبِرْنِي بِهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَقُلْتُ : كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي ) ، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ ) ، قَالَ : فَقُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : هُوَ ذَاكَ .
وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
فقوله : " قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ، فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، قَال َ: فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ، فَقَالَ : صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " : هذا مما يدل دلالة قاطعة على أن أبا هريرة رضي الله عنه لا يأخذ بكل ما يقول كعب الأحبار ، فإنه لم يتابعه على قوله : " ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ " ، وإنما رده بما علمه من السنة أن هذه الساعة تكون كل جمعة .
راجع جواب السؤال رقم : (82609).
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (31865).
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب