الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

أفطر لمرض لا يرجى شفاؤه ثم قدر على الصوم

السؤال

لدي مرض الفشل الكلوي المزمن منذ سنوات ، وكنت أصوم بلا مشاكل حتى رمضان 1431هـ، حيث بدأت أشعر بالتعب من منتصفه، وساءت حالتي الصحية بعده ، وتحولت إلى فشل حاد، وتدهور بطيء ومستمر، فلم أصم رمضان 1432، و 1433، ودفعت فدية الصيام بناء على فتوى من موقع إسلامي شهير على الإنترنت بعد أن شرحت لهم حالتي، علماً أنني لم أستشر الطبيب بهذا الخصوص. هذا العام 1434 هـ صمت رمضان والحمد لله؛ لأني كانت عندي رغبة كبيرة بالصوم، وبعد أن عرفت أن الصيام أفضل لحالتي، وذلك لتطهير الجسم من السموم، بعكس ما فهمت بالسابق. فهل علي الآن قضاء صيام شهري رمضان عامي 1432 و1433هـ أم لا؟ علماً أني لا أزال مريضاً وحالتي تسوء يوماً بعد الآخر.

ملخص الجواب

لا قضاء على من أفطر لمرض لا يرجى شفاؤه ثم قدر على الصوم. وعليه فلا قضاء عليك فيما فات من العامين (1432-1433هـ) ولو لم تكن قد سألت الأطباء حينها، فمرض الكلى معلوم أنه من الأمراض المزمنة، وصيام المريض بالكلى غالبا ما يؤدي للضرر والمشقة، والعبرة بما يجده المريض في نفسه.

الحمد لله.

الفطر لعذر ليس فيه حرج شرعي

بداية نسأل الله تعالى لك السلامة والعافية، ونوصيك بالصبر واحتساب الأمر عند الله تعالى، وأيقن أن ما أصابك من بلاء إنما هو في ظاهره شر ومشقة، ولكن باطنه بإذن الله خير، فالمصاب عند الله ليس كالمعافى، والمريض ليس كالسليم، إذا احتسب المريض وصبر، وكل شيء عنده عز وجل بمقدار.

ثم إن تركك الصيام في العامين الفائتين مما وسع الله به عليك ، ولم يكن فيه حرج شرعي بإذن الله، فقد قال الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ البقرة/184.

وعن عطاء: "أنه سمع ابن عباس، يقرأ: وعلى الذين يطوقونه، فلا يطيقونه: فدية طعام مسكين، قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا." رواه البخاري في " صحيحه " (4505).

حكم من أفطر لمرض لا يرجى شفاؤه ثم قدر على الصوم

وقد بحث الفقهاء صورة السؤال الوارد من جهتك، وهو أنه إذا أفطر المريض الذي ظن أنه لا يرجى برؤه، أو الهرم الكبير، ثم قدر على الصيام في الأعوام التالية، بسبب شفاء أو صحة ونحو ذلك، فهل يجزئه دفع الفدية عما أفطره سابقا، أم لا بد من قضاء الصيام، وذلك على ثلاثة أقوال للعلماء:

  • القول الأول: لا يجب القضاء، بل الفدية فحسب، وهو معتمد مذهب الشافعية.

يقول الإمام الرملي رحمه الله:
"وإنما لم يلزم من ذُكر قضاء، إذا قدر بعد ذلك: لسقوط الصوم عنه، وعدم مخاطبته به، كما هو الأصح في "المجموع"، من أن الفدية واجبة في حقه ابتداء، لا بدلا عن الصوم."

وعلق عليه صاحب الحاشية بقوله: "لم يلزم من ذكر قضاء، أي: وإن كانت الفدية باقية في ذمته". انتهى من "نهاية المحتاج" (3/193).
ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
"ولو قدر بعد على الصوم: لم يلزمه قضاء، كما قاله الأكثرون". انتهى من "تحفة المحتاج" (3/440).

  • القول الثاني: يجب القضاء، وهو مذهب الحنفية، ووجه للشافعية.
    جاء في "رد المحتار على الدر المختار" (2/427):
    "ومتى قدر: قضى، أي: الفاني الذي أفطر وفدى." انتهى.

  • القول الثالث: التفصيل، إذا شفي بعد دفع الفدية: فلا قضاء عليه، أما إذا قدر على الصوم، ولم يكن قد دفع الفدية عما مضى: فيجب عليه الصوم في هذه الحالة، وهو مذهب الحنابلة، وقرره البغوي من الشافعية.

يقول البهوتي رحمه الله:
"إن أطعم ثم قدر على القضاء...لا يجب القضاء، بل يتعين الإطعام، قاله في المبدع، ومفهومه أنه لو عوفي قبل الإطعام: تعين القضاء." انتهى من " كشاف القناع " (2/310)

جاء في "المجموع" للإمام النووي (6/261) قوله:
"ثم اختار البغوي لنفسه: أنه إذا قدر قبل أن يفدي لزمه الصوم، وإن قدر بعد الفدية فيحتمل أن يكون كالحج؛ لأنه كان مخاطبا بالفدية على توهم دوام عذره. وقد بان خلافه" انتهى.

وأظهر الأقوال في هذا، إن شاء الله: هو القول الأول: أن الفدية تجزئ عما أفطره لذلك العذر، سواء كان قد دفعها سابقا، أم لم يكن قد دفعها بعد، وعدم وجوب القضاء، وذلك أنه مخاطب بالفدية في حال مرضه المزمن، فلا ينتقل عنها إلى غيرها، كما أن في إيجاب قضاء ما مضى مشقة بالغة في بعض الأحوال، والمشقة تجلب التيسير.

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي:  

"شخص أصابه مرض مزمن، ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائما، ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله، أي بعد خمس سنوات، وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها، فماذا يفعل بعد أن شفاه الله، هل يقضيها أم لا؟

فأجاب:

إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين الموثوقين العارفين بجنس هذا المرض، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه، فليس عليه قضاء، ويكفيه الإطعام، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلا." انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (15/354).

وينظر  جواب هذين السؤالين:

إذا كان مرضه لا يرجى برؤه ففدى ثم عافاه الله فهل يقضي الصوم؟

كان مرضها لا يرجى شفاؤه ثم شفاها الله منه

والخلاصة: أنه لا قضاء عليك فيما فات من العامين (1432-1433هـ) ولو لم تكن قد سألت الأطباء حينها، فمرض الكلى معلوم أنه من الأمراض المزمنة، وصيام المريض بالكلى غالبا ما يؤدي للضرر والمشقة، والعبرة بما يجده المريض في نفسه، وأما سؤال الطبيب فلم يوجبه الفقهاء، وإنما ينصحون به صيانة للمريض أن يؤدي به صومه إلى الضرر.
وعلى كل حال ننصحك بمراجعة الأطباء وسؤالهم قبل كل صيام.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب