الحمد لله.
جلوس الكلب في البركة ، أو النافورة ، ثلاث دقائق أو أقل أو أكثر : لا يؤثر على طهارة الماء، لكثرة ماء البرك والنوافير في الغالب .
ومما يدل على ذلك : ما رواه الإمام أحمد (11391) ، وأبو داود (67) ، والترمذي (66) ، والنسائي (324) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقَالُ لَهُ : " إِنَّهُ يُسْتَقَى لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ وَالْمَحَايِضُ وَعَذِرُ النَّاسِ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ).
وفي لفظ للنسائي (325) : " مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، فَقُلْتُ : أَتَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَهِيَ يُطْرَحُ فِيهَا مَا يُكْرَهُ مِنْ النَّتَنِ ؟ فَقَالَ : ( الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ) .
قال المبارك فوري رحمه الله : " بئر بضاعة كان بئراً كثير الماء ، يكون ماؤها
أضعاف قلتين ، لا يتغير بوقوع هذه الأشياء ، والماء الكثير لا ينجسه شيء ، ما لم
يتغير " .
انتهى من " تحفة الأحوذي " شرح سنن الترمذي. .
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ : " وهذا إجماع لا خلاف فيه ، إذا تغير بما غلب
عليه من نجس أو طاهر : أنه غير مطهر . وقال سهل بن سعد الساعدي : ( سقيت رسول الله
من بئر بضاعة بيدي ) " انتهى من " الاستذكار "(1/136).
وقال النووي ـ رحمه الله ـ : " اعلم أن حديث بئر بضاعة عام مخصوص ، خص منه المتغير
بنجاسة ، فإنه نجس للإجماع ..." انتهى من " المجموع " (1/129).
وقال ابن قدامة رحمه الله : " قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الماء الكثير
, مثل الرِّجْلِ من البحر [أي: القطعة] ونحوه , إذا وقعت فيه نجاسة , فلم تغير له
لوناً ولا طعماً ولا ريحاً , أنه بحاله يتطهر منه " انتهى من "المغني"(1/39).
وجاء في فتاوى "اللجنة الدائمة"(5/84): " الأصل في الماء الطهارة ، فإذا تغير لونه
أو طعمه أو ريحه بنجاسة فهو نجس، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وإذا لم تغيره النجاسة
فهو طهور" انتهى.
وبناء على ما سبق : فالأصل في الماء المتطاير من النافورة ونحوها أنه طاهر ، بل
طهور ، يصح استعماله في رفع الحدث ، وإزالة النجس ، ما لم نتيقن أن شيئا من
النجاسات قد غيره شيئا من أوصافه ؛ ومثل هذا لا يمكن تحققه في الحال التي ذكرت ، من
تطاير ماء النافورة عليكم أثناء مشيكم .
ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يتوضأ هو وأصحابه من بئر بضاعة مع ما يقلى
فيها من النجاسات ، فدل ذلك على أن الماء الكثير لا يتأثر بيسير النجاسات.
قال الشيرازي رحمه الله في "المذهب" (1/221) : " إذَا تَيَقَّنَ طَهَارَةَ
الْمَاءِ وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ تَوَضَّأَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ
عَلَى الطَّهَارَةِ ..., وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهُ وَلَا نَجَاسَتَهُ
تَوَضَّأَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : " ... إذا لم يتيقنوا أن ثيابهم أصيبت بشيء
نجس فإن الأصل بقاء الطهارة ، ولا يجب عليهم غسل ثيابهم ، لهم أن يصلوا بها ولا حرج
. والله أعلم" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/108) .
وينظر جواب السؤال رقم : (194190) .
والواجب على العبد أن يحذر من تطريق الوساوس إلى عباداته ، أو حتى شيء من أمر معاشه ؛ فإن الوسواس متى استمكن من العبد ، أفسد عليه أمره كله .
وللفائدة : ينظر جواب السؤال رقم : (10160) ، ورقم : (62839) .
والله أعلم .
تعليق