الحمد لله.
رأينا أن الواجب عليك أداء النصيحة الخالصة لوجه الله تعالى لتلك الفتاة ، وذلك بإخبارها عن حقيقة نسبها ، وتوضيح الأمر لها ، كي تكون على بينة ، خاصة وأن النسب له أحكام كثيرة تترتب عليه ، منها الزواج والميراث ونحو ذلك ، فمن أبسط حقوق الإنسان أن يتعرف على نسبه الحقيقي ، من غير تحريف ولا تزوير .
وقد وصفت الاستمرار في كتمان الأمر عن الفتاة بأنه جريمة ، وهو فعلا كذلك ، فجريمة تزوير النسب ورد التحذير منها في السنة النبوية ، في أحاديث صحيحة وكثيرة ، منها ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ -: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ ) .
رواه أبو داود في " السنن " (رقم/2263)، وصححه ابن الملقن في " البدر المنير " (8/184)، وقال ابن كثير : إسناده جيد . " إرشاد الفقيه " (2/214)، وصححه السيوطي في " الجامع الصغير "، وغيرهم ، وضعفه بعض علماء الحديث ، انظر " إرواء الغليل " (8/34). ولكن ثمة أدلة أخرى كثيرة في الصحيحين وغيرهما ، يمكن مراجعتها في الفتوى رقم : (5201) ، (160909) .
يقول الشيخ العمراني (ت558هـ) رحمه الله :
" إذا حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم ، حرم ذلك على الرجل أيضا ، ولأنه لمّا حرُم عليه نفي نسب يتيقنه منه ، حرم عليه استلحاق نسب يتيقن أنه ليس منه " .
انتهى من " البيان في مذهب الإمام الشافعي " (10/429) .
ويقول المناوي رحمه الله :
" ( فليست من الله في شيء ) أي من الرحمة والعفو ، أو لا علاقة بينها وبينه ، ولا عندها من حكم الله وأمره ودينه شيء . كأنه قال : هي بريئة من الله في كل أمورها " .
انتهى من " فيض القدير " (3/137) .
والحكمة من ذلك قطع الطريق على كل وسائل الرق والعبودية لغير الله ، واستغلال الإنسان ، التي تتمثل أول ما تتمثل في نسبة الولد إلى غير أبيه ، كأنك تلغي الهوية الأولى ، فتنقل الولد إلى هوية جديدة مغايرة ، والهويات والأصول والأعراق والأديان كلها تصنيفات مؤثرة في حياة الناس ، فكان من أساسيات كرامة الإنسان أن يُحتفظ له بحقه في معرفة نسبه الأصلي .
فنصيحتنا لك أن تسعي في بيان الأمر للفتاة ، ولو من خلال إرسال الرسائل الخاصة لها ، أو مخاطبتها عبر الإيميل ، ولست مضطرة للكشف عن هويتك أثناء بيان الأمر لها ، وإنما تخبرينها أنك ناصحة ، وأن الأمر حقيقته كذا وكذا ، مع وصية منك لها بالصبر وعدم الجزع ، وأن من تظنهم والديها هم في الحقيقة محسنون كرماء ، أحسنوا إليها ، ولا مانع أن تعاملهم بالإحسان والاحترام كوالديها ، بل هذا هو المطلوب منها ، لكن عليها أيضا أن تتنبه للأحكام الشرعية المترتبة على كونها أجنبية عنهما .
كما ينبغي عليك مراعاة سن الفتاة وإدراكها لحديثك ومضمونه ، فإن كانت صغيرة لا تقوى على استيعاب مثل هذه الأمور فلا حرج في تأجيل الأمر إلى سن الرشد الذي تتمكن فيه من مواجهة الحقيقة .
نسأل الله تعالى لمجتمعات المسلمين الوقاية والسلامة من كل سوء .
والله أعلم .
تعليق