الحمد لله.
ينبغي على الشخص أن لا يستعمل النذر ، حتى ولو كان يقصد بذلك حمل النفس على الطاعة أو على ترك المعصية ؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " أنصح أخانا ألا يجعل الحامل له على ترك المعصية النذر ؛ لأنه يعتاد هذا ، حتى لا يدع المحرم إلا بنذر ، والله عز وجل يقول في كتابه : ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ) النور / 53 ، يعني : أطيعوا طاعة معروفة بدون يمين ولا حاجة للقسم ، كذلك لا حاجة للنذر ، اجعل عندك عزيمة قوية لتستطيع أن تدع هذه المعصية بدون نذر ، هذا هو الأفضل والأولى " .
انتهى من " اللقاء الشهري" .
وكان الواجب عليك ابتداء أيها السائل الكريم أن تجتنب فعل هذه المعاصي , فإنها مُهلكة للعبد مُذهبة لمروءته مُفسدة لدينه ودنياه , فإن غلبتك نفسك ووقعت في المعصية ، فقد جعل لك ربك سبحانه مخرجا كريما بالتوبة والاستغفار ، والاستكثار من العمل الصالح , قال تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) آل عمران/135، 136 ، وقال تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/114 , وقد كان في هذا العلاج الرباني كفاية ووقاية لك من شر ذنبك , لكنك أبيت إلا أن تسلك مسلك النذر مع ما فيه من التضييق على النفس وإلزامها بما كان لها عنه مندوحة , فوقعت فيما وقعت فيه من هذه الورطة , وقد كان ينبغي لك ألا تفعل .
وأما حكم هذا النذر الذي ذكرته ففيه تفصيل :
فإن كنت قد قصدت أنك إن وقعت في هذه المعصية تبت إلى الله تعالى وفعلت الطاعة المذكورة بنية التقرب إلى الله سبحانه وزيادة في التوبة , فهنا يلزمك الوفاء بهذه الطاعة .
أما إذا كنت قد نذرت هذه الطاعة : لا بنية القربة ، ولكن بنية منع نفسك وزجرها عن مواقعة هذه المعصية , فهنا تلزمك كفارة يمين على رأي فريق من العلماء , جاء في " شرح الزركشي على مختصر الخرقي " (7 / 82): " ....... وضابطه أن يخرج النذر مخرج اليمين ، بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا، أو يحث به على شيء ، ويسمى هذا نذر اللجاج والغضب، واختلف عن أحمد في حكمه ، فعنه أن الواجب فيه الكفارة ليس إلا ، حتى لو فعل المنذور لم يجزئه " انتهى.
وجاء في " فتاوى نور على الدرب " .
س: أنا رجل فعلت مخالفات في أحد الأيام ، وبعد ذلك ندمت وحلفت وقلت: حلفت ونذرت أن أدفع مبلغًا من المال إلى الفقراء ، إن فعلت تلك المخالفة ، وفعلتها فعلاً مرة أخرى ، فهل عليَّ دفع المال المذكور، أو يكفي كفارة يمين ؟
ج : الواجب على كل مسلم ومسلمة ، إذا فعل شيئًا من المعاصي ، أن يبادر بالتوبة ، لأن الله سبحانه ، يقول : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، ويقول سبحانه: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ) ، هذا هو الواجب على كل مسلم ومسلمة إذا بدر منه ذنب كشرب مسكر ، أو عقوق ، أو ربا أو زنى ، إلى غير هذا ، متى وقعت منه المعصية ، سارع وبادر إلى التوبة والندم ، والإقلاع والعزم ألا يعود ، مع الإكثار من العمل الصالح ، كما قال تعالى: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ( .
وإذا حلف أو نذر ، إن رجع إليها أن يتصدق بكذا ، أو يصلي كذا أو يصوم كذا، هذا فيه تفصيل:
إن أراد بهذا القربة إلى الله ، وأنه متى عاد إليها : تاب ، وتقرب إلى الله بهذا ، يعني زيادة في التوبة ، فهذا يلزمه ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ): من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ( يعني نذر الطاعة يجب الوفاء به ، بهذا الحديث الصحيح .
أمَّا إذا أراد بهذا أن يردع نفسه حين قال : نذر علي إن عصيت ، أن أتصدق بكذا ، أو أن أصوم شهرًا ، مقصوده يردع نفسه ، يخوف نفسه ، حتى لا يلزمه الصوم والصدقة ، ما قصده التقرب ، إنما قصده أن يمنع نفسه من المعصية ، فإذا عاد إليها ، فعليه التوبة ، وعليه كفارة يمين ، عن نذره ؛ لأنه ما أراد القربة بهذا ، أراد أن يمنع نفسه ويردعها عن هذا الشيء ، هذا يكون فيه كفارة يمين ، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو عتق رقبة ، فإن عجز صام ثلاثة أيام ، وإطعام عشرة ، يكون لكل واحد نصف صاع ، كيلو ونصف من قوت البلد ، أو كسوة ، قميص أو إزار ورداء ، هذا هو الواجب على من فعل هذا " انتهى بتصرف من هذا الرابط الإلكتروني:
http://www.alifta.net/Fatawa/FatawaChapters.aspx?View=Page&PageID=7047&PageNo=1&BookID=5&languagename=
وبعض العلماء يخيِّر الناذر حال الحنث في هذه الحالة بين كفارة اليمين وبين فعل المنذور .
جاء في " المغني لابن قدامة " (9 / 505) : " إذا أخرج النذر مخرج اليمين ، بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا ، أو يحث به على شيء ، مثل أن يقول: إن كلمت زيدا، فلله علي الحج، أو صدقة مالي، أو صوم سنة : فهذا يمين ، حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه ، فلا يلزمه شيء، وبين أن يحنث ، فيتخير بين فعل المنذور، وبين كفارة يمين " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم : (2587) ، ورقم : (145185) ، ورقم : (45889).
وأنت أيها السائل قد التزمت أنه كلما حدثت منك هذه المعصية أن تفعل هذه الطاعة فالواجب عليك ابتداء هو تجنب هذه المعصية .
فإن غلبتك نفسك ووقعت فيها : فالواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله سبحانه , ثم بعد ذلك أنت بالخيار بين أن تفعل ما نذرته ، وبين أن تخرج كفارة يمين , ويتحتم عليك هذا كلما حدثت منك المعصية ، ولو تكرر مئات المرات .
وكفارة اليمين سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم : (45676) وبينا في نفس الفتوى أن من عجز عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة : فإنه يلزمه صيام ثلاثة أيام.
وفي النهاية ننبهك على أمر يتعلق بمسألتك وهو أنك قد ذكرت في النذر أنك ستفعل هذه الطاعة في نفس يوم المعصية , وعلى ذلك فكل يوم فعلت فيه المعصية ، وفات فلم تفعل فيه هذه الطاعة : يلزمك عنه كفارة يمين , ولا يجزئك فعل المنذور بعد ذلك لأنه قد خرج وقته.
والله أعلم .
تعليق