الحمد لله.
إن الاشتراك في نظام "معاش التقاعد" له أحوال :
أولا :
إذا كان عن طريق الجهات الحكومية فلا بأس به ؛ لأنه حق ، التزم به ولي الأمر باعتباره مسئولا عن رعيته .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"معاشات التقاعد ليس فيها شبهة ؛ لأنها من بيت المال ، وليست معاملة بين شخص وآخر حتى نقول: إن فيها شبهة الربا، بل هي استحقاق لهذا المتقاعد من بيت المال " .
انتهى من " أسئلة اللقاء الشهري " [58] .
وجاء في قرار هيئة كبار العلماء في التأمين ما يلي :
" قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح ، فإنه قياس مع الفارق أيضا ؛ لأن ما يعطى من التقاعد : حق ، التزم به ولي الأمر باعتباره مسئولا عن رعيته ، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة ، ووضع له نظاما راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف ، ونظرا إلى مظنة الحاجة فيهم ، فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها ، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية ، التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين ، والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة ؛ لأن ما يعطى في حالة التقاعد : يعتبر حقا ، التُزِم به من حكومات مسئولة عن رعيتها ، وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة " ينظر " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 284) .
الثاني:
إذا كان التعاقد على التأمين التقاعدي تم بين الموظف وشركة التأمين مباشرة ، وكان
التأمين تجاريا : فلا يجوز الاشتراك فيه ، لقيامه على الميسر والغرر ؛ إذ قد يأخذ
الإنسان أكثر مما دفع ، وقد يأخذ أقل من ذلك ، وهذا هو الميسر ، وإذا اشترك فيه
اختيارا ، أو إجبارا ، فليس له أخذ أكثر مما دفع .
وأما إذا كان تعاونيا فلا بأس به في الاشتراك والانتفاع به ، وقد سبق بيان الفروق
بين التأمين التعاوني والتجاري في إجابات الأسئلة : (36955)
، (205100) .
الثالث :
إذا كانت الشركة تعطي للموظف لديها التأمين التقاعدي منحة تحفيزية ، أو كمزية ضمن
عقد التوظيف ، بحيث تكون أحد بنود الأجرة ، سواء كان هذا في العقد ابتداء ، أو في
مرحلة من مراحل التعديل للعقد : ففي هذه الحال يكون إثم الاشتراك في التأمين
التجاري على الشركة المتعاقدة مع شركة التأمين ، أو على الجهة الملزمة للشركة ، إذا
كانت الشركة ملزَمة بالاشتراك في هذا النظام .
وأما الموظف ، في هذه الحال : فلا حرج عليه في الانتفاع بما يأتيه من هذا النظام ؛
لأن " تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات " [ مجلة الأحكام /مادة 98 ] ؛ فإذا
تبدل سبب تملك الشيء ، فإنه يعد متبدلا حكما ، وإن لم يتبدل حقيقة .
أو ، بعبارة أخرى : المحرم على كسبه ، إنما يحرم على كاسبه فقط ، دون غيره .
وينظر جواب السؤال رقم : (85419) ، ورقم :
(184222) ، ورقم : (105827)
.
وإذ قدر أن في هذا النظام شيئا من الغموض ، كما ذكر ، فالموظف يقبض هذا المال
التقاعدي على أحد تقديرين :
- الأول : على تقدير أنه هبة ومنحة تحفيزية من شركته ؛ ووجود الغرر في الهبة لا
تأثير له ؛ لأن الغرر في عقود التبرعات لا يضر. ينظر : " الفروق " للقرافي (1/151)
.
- الثاني : على تقدير أنه
أحد بنود الأجرة في عقد التوظيف ، فهو هنا غرر تابع في عقد الإجارة لا مستقل ؛
ويغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها . ينظر : " الأشباه والنظائر " لابن نجيم (
ص: 103) .
والحاصل : أنه مادامت شركتك
هي التي تبرم عقد التأمين مع شركة التأمين ، فلا حرج عليك أنت ـ إن شاء الله ـ في
الانتفاع بأثره ، وما يأتيك منه بعد ذلك .
ثم إذا حصلت على المبلغ المذكور في هذه الحال : فلا حرج عليك في استثماره في سائر
الأوجه المباحة ، كسائر أموالك .
والله أعلم .
تعليق