الحمد لله.
بداية اسمحي لنا أن نذكرك بأمر غفلت عنه في سؤالك ، ويبدو أنك غافلة عنه أيضا في حياتك ، مع استمرارك في عادتك ، وبعدك عن البيئة الصالحة ، والمجتمع الذي يذكرك بالله سبحانه وتعالى ، وهذا الأمر هو حرمة مواعدتك صديقك ، وحرمة التواصل مع أي رجل في إطار علاقة غرامية سوى علاقة الزواج الشرعي ، سواء كان هذا الرجل مسلما أو نصرانيا ، أو غير ذلك ، ولا شك أن الإثم والعار يزداد إذا كان الرجل كافرا ؛ فالمسلم قد يؤمل في الزواج منه ، وأما الكافر ، فليس إلا الأماني والغرور وتزيين الشيطان .
فمثل هذا التواصل إما أن يشتمل على الحرام لا قدر الله ، وإما أن يكون طريقا إليه ، فالشيطان يتربص بالإنسان الدوائر ، والنفس تتمنى وتشتهي ، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ، يقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21.
وقد طلبت نصيحتنا لا من جهة آرائنا الشخصية ، ولكن من جهة فهمنا لما يحبه الله ويرضاه ، ولما جاءت به شريعة الإسلام الذي ندين به جميعا والحمد لله ، ونعتقد أنه طريق سعادتنا في الدنيا والآخرة .
ونحن نخلص لك النصح كما تظنين بإذن الله ، فنقول لك : إن الزواج من النصراني من المحرمات القطعيات في ديننا ، ومن أشنع الأمور التي يمكن أن تقع من بعض المسلمات ، فليس ذلك بزواج بوجه من الوجوه ، بل هو معصية محضة ، وفاحشة كبيرة ، كما يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) الممتحنة/10، وليس التحريم مقصورا على حالة خوفك أن يجرك إلى دينه ، بل حتى لو وعدك بالإسلام ، فلا يجوز الاعتماد على وعده ، بل لا بد أن يكون قد دخل في الإسلام فعلا ، عن رغبة في الدين ، واعتقاد بصحته ، ولا بد أن يحسن إسلامه ، كل ذلك قبل إنشاء عقد الزواج .
وبدون ذلك لا نرى حيرة في سؤالك ، بل الأمر فيه واضح ، فالواجب عليك التوبة عما مضى وسلف من علاقة محرمة ، والله عز وجل يحب التوابين ويحب المتطهرين ، والمسلم إذا خير بين الحلال والحرام ، فاختار الحرام فلا يلومن إلا نفسه ، وسيرى عاقبته في الدنيا قبل الآخرة ، أما إذا اختار الحلال ، واحتسب صبره وتحمله عند الله سبحانه ، فسيكتب له الأجر بإذنه .
وأما التوفيق فهو بيد الله سبحانه ، وإنما على العباد الأخذ بالأسباب ، وموازنة الأمور بالنظر العقلي ، فلا بد من السؤال عن حال ذلك المسلم الذي تقدم إليك للزواج ، وما يتحلى به من دين وأخلاق كريمة تؤهله لتحقيق العدل بين الزوجات ، وما ذكرته أنه لم يمض على زواجه الأول سوى مدة يسيرة ، ليس بمانع من الزواج منه ، متى كان مؤهلا لذلك ، وليس بعذر ـ أيضا ـ لك في تقديم العلاقة المحرمة عليه ، أو في انتظار طويل غير مضمون ، فتعدد الزوجات في الإسلام لم يرتبط بفاصل زمني محدد بين كل زوجة وأخرى ، ولا بعمر محدد ، وإنما الأمر يرجع إلى رغبة كل من الزوجين وموافقتهما .
فاستخيري الله تعالى في الموافقة على هذا الزواج ، واسأليه سبحانه أن ييسر أمره إذا كانت سعادتك فيه ، وإلم يكن فيه الخير : أن يصرفه عنك بحفظه ووقايته .
أما العلاقة الأولى مع غير المسلم فلا تجوز صلاة الاستخارة فيها ؛ فالاستخارة تكون في المباحات وليس في المحرمات ؛ بل ليس لك إلا أن تقطعيها ، وتقطعي كل سبيل تذكرك بها ، أو تجرك وتعيدك إليها : فورا .
ولمزيد توسع يرجى النظر في الفتوى رقم : (100148) ، (99264) .
والله أعلم .
تعليق