الحمد لله.
بعض الحقائق تكون ظاهرة جلية ظهور الشمس في رابعة النهار، لكننا نمارس العمى كي لا نراها ، وبعض الحلول تفرض نفسها علينا ، إلا أننا نتهرب منها .
لم يكن صوابا منذ البداية أن تستبدي بقرارك ، وتخالفي أهلك في عدم ملاءمة هذا الشاب ، خاصة وأنه لم يكن جاهزا من الناحية المادية ، فلأي شيء يكون الأهل إذا ، ولأي شيء شرع الله للمرأة أن يتولى الولي نكاحها ، إذا كانت هي من يستبد بالقرار ، ولو كان مخالفا لرأي أسرتها ؟!
تمضي الأمور ، ليعود هو فيوقعك في مأزق أشد ، وإذا كان أهلك قد أذعنوا لرغبتك ، رغم حالته المادية ، فتأبى حالته الأخلاقية - الكذب ، وإخفاء الحقائق - ، إلا أن تضعك في مأزق أشد من الأول ، مأزق : اهتزاز الثقة ، وقلة الاحترام ، وعدم الأمان !!
تلك كلها معان أكبر من مجرد معلومة تتعلق بسنه الحقيقي : هل هو ثلاثون ، أو أربعون ـ مثلا ـ هل مؤهله : شهادة عليا ، أو دون ذلك .. ؟
هذه كلها جزئيات تأتي أهميتها تالية لمبدأ الصدق ، والأمانة ، والثقة ، والاحترام ؛ احترام النفس ، قبل احترام الآخرين .
لقد سألت عن الحكم دينا : هل يجوز .. ؟
فنقول لك : نعم ، يجوز لك من ناحية الحكم الشرعي أن تتزوجي هذا الشاب ، ولو كان كاذبا ، فالكذب كبيرة من الكبائر ، لكنه لا يخرجه من الإسلام ، هو مسلم على كل حال ، حتى مع كذبه ، ولك أن تتزوجيه ، ما دام مسلما ، إن أنت قبلت بذلك ، واستطعت أن تمرري موضوع كذبه ، على جهة السلامة ، ونحسب أن هوى النفس ، أو عنادها ، أو إحراجها أمام الأهل ، سوف يسمح لك بقدر من ذلك التمرير !!
لكن : هل ترى مثل هذا : يصلي ، حريصا على صلاته ، وهو يكذب ؟!
نخشى ألا يكون كذلك ، فترتكبي ذلك العناد ، وتلك المعاناة ، في واقع لا يستحق ، ولا يتطلب منك ذلك كله ، بل هو كما قالت المرأة ـ الْأُولَى ـ :
زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ ؛ لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ !!
لكن ، إذا افترضنا أنه يصلي ، وأن زواجك منه جائز حلال ؛ فهل أنت مستعدة لتحمل تبعات زواج مثل هذا ؟
وهل أنت مستعدة للقبول بزوج ، يختل بينكما معامل الأمن ، والأمان ، في أول خطوة منه ؟
وهل أنت مستعدة لإقناع أهلك ، وتجاوز تلك العقبة بينهما : عقبة عدم الثقة ، وضعف الأمان ؟
إن العقل ـ والشرع ـ أيضا : يأبيان عليك أن تدخلي في مواجهة كبيرة مع أهلك ، لأجل حالة كهذه ، وليس من المقبول أن تضعي نفسك في معادلة غير متكافئة : إما هو ، وإما أهلك !!
بل كل ما يمكن أن نقوله هنا : إذا كان في مجمله العام مرضي الخلق والدين ، لكن كانت هذه زلة منه ، ليست لها أخوات ونظائر في خلقه ، ودينه ؛ فليس هناك ما يمنع من إتمام زواجك به ، وكلنا ذوو خطأ ، لكن شريطة أن تسترضي أهلك ، وتقنعيهم بذلك ، خاصة إذا لم يكن عامل السن ، نعني : سنك أنت ، في صالحك ، بل تقدمت عما يكون عليه الحال بين زميلاتك ، وأترابك في مثل بلدك !!
وأما إذا كان معروفا بمثل ذلك الخلق ، أو كان ضعيف الديانة ، والأمانة : فكيف تقدمين على زواج مثل هذا ، ولو بقيت في بيت أهلك دهورا ؟!
ومثل هذا : إذا كان إتمام هذا الزواج : سوف يضعك في المعادلة السابقة : إما هو ، وإما أهلك .
فتحاوري مع أهلك بمنطق ، وتعقل للأمر من جوانبه كلها .
واستخيري الله تعالى ، واسأليه أن يلهمك رشدك ، ويعيذك من شر نفسك .
والله أعلم.
تعليق