الحمد لله.
نسأل الله سبحانه أن يلطف بك فيما قُدِّر عليك , وأن يلهمك رشدك ويصلح لك الحال والبال , وأن يفرج عنك ما أنت فيه من ضيق وهم , وأن يرزقك الأجر والمثوبة على برِّك بوالديك إنه سبحانه كريم ، وإنا لننصحك أن تتأنى في أمر الطلاق فتجعله آخر الحلول وليس أولها , لأن الطلاق أمر مكروه في أصله ، ولا تنتفي عنه الكراهة إلا بوجود ما يبرره ويسوغ اللجوء إليه.
واعلم أنه لا بد للمسلم في أول الأمر أن يختار زوجته وفق مواصفات شرعية صحيحة , لا أن يسارع في الزواج هكذا دون تحر أو استقصاء , بل الواجب عليه أن يطيل البحث والسؤال ، والتحري والاستقصاء ، حتى يظفر بذات الدين والخلق , وإهمال البحث عن ذات الدين والخلق رغبة في مقاييس الدنيا الفانية التي تضمحل وتذهب ، من حسب ومال وحسن وجمال ، هو من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى الشقاق والخلاف أوَّلا ، ثم الطلاق في نهاية الأمر .
وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة , فقد أخرج البخاري (5090) ، ومسلم (1466) وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ " .
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (17149) وأبو يعلى الموصلي في مسنده (1012): عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) تنكح المرأة على إحدى خصال ثلاث : تنكح المرأة على مالها، على جمالها، تنكح على دينها، عليك بذات الدين والخلق ؛ تربت يمينك ) حسنه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " برقم : (1919) .
أما بالنسبة لطلاق زوجتك التي كانت تتحدث مع صديقها فقد كان معك حق في طلاقها , خصوصا بعدما ظهر من إصرارها واستنكافها عن قبول النصيحة ، وطلبها للطلاق .
أما زوجتك التي فارقت البيت اعتراضا على برك بوالديك ، وقيامك بواجبهما ؛ فهي وإن كانت مخطئة في هذا ، إلا أنه كان من الممكن الصبر عليها ، وعلى أذى أبيها , ونصحها وتعريفها بحقوق الوالدين ووعظها عموما في هذا الأمر وغيره من أمور الدين ، لا سيما وقد فرطت أنت في حقوقها ، وكان ينبغي عليك النظر إلى ذلك ، ومحاولة إعطاء كل ذي حق حقه .
لكن على أية حال ، هذا أمر فات وقته ، وربما يكون لك درسا وعظة فيما تستقبل من أمر نفسك ، وما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والمهم أن تستفيد من هذه التجارب فيما تستقبله من حياتك.
والنصيحة لك -في النهاية- ألا تؤثر هذه التجارب السابقة على موقفك من الزواج ، فتؤثر العزوبة عليه , فإن هذا مسلك خاطىء ؛ لأن الزواج من هَدْي النبيين وسنن المرسلين , قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) الرعد/38 .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – في فوائد قوله تعالى ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) البقرة/ 35 : "ومنها : أن النكاح سنة قديمة منذ خلق الله آدم ، وبقيت في بنيه من الرسل ، والأنبياء ، ومَن دونهم ، كما قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ) الرعد/ 38 " . انتهى من "تفسير سورة البقرة " ( 1 / 130 ) .
ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لرهط من الصحابة أرادوا أن يبالغوا في أمر العبادة ، ويجتهدوا فيها : ( أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) رواه البخاري (5063) ، ومسلم (1401) .
مع التنبيه على أن الطلاق قد وقع في جميع المرات برضاك وإرادتك , فإن كنت تقصد بقولك أنك أجبرت عليه : أي اضطررت لفعله لتتخلص من هؤلاء الزوجات ونشوزهن , فهذا صحيح أما إن كنت تقصد بالإجبار المعنى الشرعي وهو الإكراه الذي لا يقع معه الطلاق فهذا غير صحيح , بل قد وقع الطلاق بمحض إرادتك واختيارك وبالتالي هو نافذ .
وللفائدة : ينظر حول حكم طلاق الثلاث ، بلفظ واحد : الفتوى رقم : (36580) .
والله أعلم.
تعليق